ان هذه الفتوحات العظيمة والاحداث الكبيرة، كانت تجري تحت لواء النبوة، الذي تقرأه القبائل العربية قراءة قرشية، فهم يرون ان من يقود هو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب الهاشمي القرشي (صلى الله عليه واله)، واغلب الغزوات التي جرت كان امراؤها من قريش، وكان الانصار عصب المعركة في الغزوات التي سبقت فتح مكة، الا ان قيادتهم كانت في ساحة المعركة كانت قرشية فغالباً ما كان اللواء بيد علي بن ابي طالب (عليه السلام) الهاشمي القرشي، وكان البطل المبرز في كل معركة، وبعد فتح مكة كان الى جنب الاوس والخزرج مسلمة الفتح من اهل مكة وغيرهم كما جرى في معركة حنين، ومعركة مؤتة وغزوة تبوك، وقد ترك ذلك اثره في نفوس المجتمع المسلم في تحديد نظرتهم الى قريش التي رفع الاسلام قدرها اكثر مما كان لها في الجاهلية، اذ اصبحت لهم في الاسلام دولة مترامية الاطراف، وهو امر لم يكن لهم ايام شركهم وعبادتهم الاوثان.
خط الاصطفاء في قريش
بعد اسماعيل (عليه السلام) توارث ابناءه الشؤون الادارية المتعلقة بالبيت الحرام، وكما ان بني اسرائيل مع مرور الزمن وقعت منهم الكثير من المخالفات فكذا الحال في بني اسماعيل، وكما كان الله تعالى يبعث الانبياء في بني اسرائيل لضمان استمرار النهج التوحيدي في تلك الامة لاداء الدور الذي كلفوا فيه، وفي الفترة بين الانبياء كان صلحاء بني اسرائيل يعلمون عوامهم معالم دينهم واحكامه، فكذا الحال كان في بني اسماعيل (عليه السلام)، وكما تسلط على بني اسرائيل الفراعنة، تسلطت جرهم ومن بعدها خزاعة على بني اسماعيل (عليه السلام) حتى مكن الله قصي بن كلاب من جمع شتات قريش واستعادة البيت الحرام من خزاعة، وكما عاصر بنو اسرائيل مجتمع الشرك في مصر وتأثروا به كان نصيب القرشيين من التأثر كنصيب بني اسرائيل، وكما ان نوازع الشرك في بني اسرائيل دعتهم الى الطلب من موسى (عليه السلام) ان يجعل لهم الهاً، ثم عبدوا العجل، فكذا الحال في قريش اذ انسلخوا من التوحيد وعبدوا الاوثان، وكما ان ثلة من المؤمنين بقيت مع هرون (عليه السلام) حتى عاد موسى (عليه السلام) كذا كان في قريش من بقي على الحنيفية دين النبي ابراهيم (عليه السلام) وكان ذلك في السلسلة النسبية التي انحدرت من هاشم بن عبد مناف، فتلك العائلة الكريمة حفظ ابناءها عهد ربهم ولم يكونوا من المشركين، وقد اجرى الله تعالى على ايديهم الكرامات فهاشم كان سيد قومه وهو الذي فتح لهم طريق التجارة، وعبد المطلب اعاد الطواف الى ما كان على عهد النبي ابراهيم (عليه السلام) سبع اشواط وحرّم على الابناء الزواج من ارامل ابائهم وحرّم وئد البنات واختصه الله تعالى بأن اظهر زمزم على يديه بعد ان دفنها الجرهميون في حربهم ضد خزاعة، ولعمري ما اصرار بعض من تناول هذه الشخصيات على اتهامها بالشرك الا سعياً في اثبات كفر سيدنا ابي طالب تبعاً للحقد الاموي على أمير المؤمنين علي بن ابي طالب (عليه السلام)، ولم يشذ عن التوحيد من بني هاشم الا ابي لهب.
واستمر ذلك الاصطفاء في هذا البيت حتى اشرق نور رسول الله (صلى الله عليه واله) وتبعه نور امير المؤمنين (عليه السلام) الذي اتفقت الامة على انه لم يسجد لصنم، ثم اشرق نور السيدة فاطمة الزهراء (عليه السلام) التي تواتر عن رسول الله (صلى الله عليه واله) انها سيدة نساء اهل الجنة، ومن علي وفاطمة اشرق نور الحسنين (عليهما السلام) فلما اكتملت حلقات السلسلة الطاهرة جمعهم النبي تحت الكساء فأنزل الله تعالى قوله ﴿انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس اهل البيت ويطهركم تطهيراً﴾ ليعلن اصطفاء اهل ذلك في قرآن يتلى آناء الليل واطراف النهار، كما انزل الله تعالى سورة الانسان بعد ان تصدق النبي (صلى الله عليه واله) واهل بيته (عليهم السلام) ببضعة ارغفة من خبز الشعير كانت هي فطورهم لإيام ثلاثة متكررة حيث كانوا يوفون نذرهم بالصوم فأفطروا ثلاثاً على الماء القراح فنزل جبرئيل (عليه السلام) بسورة هل اتى من الله لتكون سورة كاملة تنص على اصطفاء اهل هذا البيت وتبين ما اعد الله لهم من الطيبات في الدار الآخرة، بل يكاد مصطلح عباد الله في القرآن الكريم يكون منحصراً فيهم مع بيان قرآني واضح في هذه السورة ان اتباع سبيل اهل البيت (عليهم السلام) هو طريق النجاة والهدى، وان اي سبيل غير سبيلهم هو طريق الضلال والردى.
|