• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : الجندر والزوجية الكونية .
                          • الكاتب : د . مظفر الشريفي .

الجندر والزوجية الكونية

 بسم الله الرحمن الرحيم

نشطت داعية الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة الأمريكية في السنوات الأخيرة بصورة مريبة نحو تعميم مصطلح وفكرة "الجندر" التي تعني أن الإنسان بطبيعته ليس ذكراً أو أنثى وإنما التربية التي يتلقاها منذ صغره هي التي تحدد طبيعته، أي إن من يتلقى تربية أنثوية يكون له الحق في أن يتصرف كأنثى بغض النظر عن طبيعته التي وُلد عليها كذكر أو أنثى، ومن يتلقى تربية ذكورية له الحق كذلك.

والهدف من وراء تعميم هكذا فكرة هو إشاعة الفاحشة بالقول إن الميول الجنسية للإنسان نحو جنس آخر أو نحو نفس الجنس تحدده ميوله التي تنشأ بعد حين وليست طبيعته البيولوجية الأصلية. فما تعارف على مرّ تاريخ البشرية من ميل الرجل للأنثى وميل الأنثى للرجل إنما هو وفق ما تربّوا عليه من تمايز بين الذكر والأنثى كما يدّعي أصحاب فكرة الجندر وليس هو طبيعة فطرية وحقيقية في النوع الإنساني. وما يريده الجندرية اليوم هو تحجيم هذه السنّة الطبيعية لدى البشر وتوجيههم نحو ما يخالف فطرتهم. وهم يفعلون هذا بطرق شتّى مثل توجيه الأطفال في المدارس وتثقيفهم نحو هكذا سلوكيات، وإشاعة فكرة التحول الجنسي بأن يتحول من يرى في نفسه ميولاً جنسية مغايرة لطبيعته البيولوجية إلى الجنس الآخر بإجراء عمليات جراحية وتجميلية، فيتحول الذكر إلى أنثى وبالعكس كما يقولون. وهذا التحول لا يمكن أن يكون حقيقياً في اغلب الحالات لأن الفروق البيولوجية بين الذكر والأنثى كثيرة ولا يمكن تذويبها بتغيير جزء من الجسم أو جزئين أو ثلاثة. وكذلك قامت هيئة الأمم المتحدة والدول التي تسير في ركاب الولايات المتحدة الأمريكية بسن القوانين التي تحمي حقوق مرتكبي الفواحش بين أفراد الجنس الواحد ومعاداة أو معاقبة الدول التي ترفض هذه الأفعال الشاذة. ويضاف لهذا نشاط إعلامي عالمي كبير لترويج هذا. كما إنهم أطلقوا تسمية "المثليين" عليهم لتلميع واقعهم المنحرف وإبعاد وصفهم بالشواذ وغيرها من الألفاظ التي تليق بهم. وهنالك خشية حقيقية من التغلغل في مجتمعاتنا الإسلامية عن طريق عملائهم من المسؤولين الحكوميين ومنظمات المجتمع المدني بنشر هذه الثقافة الشاذة، وقد بدأوا فعلاً في العراق بإطلاق تسمية "النوع الاجتماعي" بدل تسمية "الجندر" لتيسير تسلل هذه الفكرة وأفعال المثليين لمجتمعنا.

إن هذه الفكرة الشاذة وسلوكياتها تخالف الطبيعة القائمة على الزوجية التي خلق الله عليها الكائنات الحية والكون عموماً، فلو لاحظنا عالم الحيوان مثلاً لوجدناه قائماً على الزوجية، أي الذكر والأنثى، وأن لكل منهما طبيعته الخاصة ووظائفه المناسبة لديمومة الحياة وبقاء النوع. وكذلك عالم النبات. بل إن الكون كله قائم على الزوجية. وهذا ما أدّى بالعالم الفرنسي المبدع دي بروي De Broglie إلى القول بالطبيعة الموجية للجسيمات المادية، ففي سنة 1924 استفاد دي بروي من فكرة الازدواجية في طبيعة الضوء وقال - ما معناه - إن التناظر واضح في الطبيعة (مبدأ الزوجية في الكون). فالضوء ثنائي بطبيعته، يتصرف في بعض الأحيان كموجة وفي أحيان أخرى كجسيم. وإذا كانت الطبيعة متناظرة فالزوجية في طبيعة الضوء يجب أن تقابلها زوجية في طبيعة المادة. فالجسيمات أيضاً كالإلكترونات والبروتونات التي نعتقد عادة أنها جسيمات قد تتصرف مثل الموجات في بعض الحالات.

ولم يكن لفكرة دي بروي أساس فيزيائي أو رياضي، فقد قال: (بعد نهاية الحرب العالمية الأولى، فكرت كثيراً في نظرية الكم وثنائية الموجة والجسيم ... عندها شعرت بإلهام مفاجئ. كانت ازدواجية آينشتاين الموجية والجسيمية ظاهرة عامة تماماً تمتد إلى كل الطبيعة الفيزيائية)، وجاء جزء من إلهام دي بروي من نظرية بور عن ذرة الهيدروجين، حيث افتُرض فيها أن الإلكترون يتبع مدارات معينة فقط حول النواة، فقد ذكر دي بروي: (هذه الحقيقة قدحت في ذهني فكرة أن الإلكترونات لا يمكن اعتبارها مجرد جسيمات). وبعد ذلك بعامين، استخدم شرودﻧﮕر مفهوم موجات دي بروي المادية لتطوير نظرية عامة طبقها هو وآخرون لتفسير مجموعة متنوعة واسعة من الظواهر الذرية. وبهذا تولّد علم كبير في الفيزياء هو الميكانيك الكمي quantum mechanics.

إن علماء الفيزياء يعلمون أن الجسيمات في الكون كله يرجع أصلها إلى ما يسمى بالمادة وضديدها matter and antimatter، أي لها طبيعة زوجية، فالإلكترون مثلاً له ضديد هو البوزترون ويتشابهان في كل شي إلا الشحنة الكهربائية حيث أن للإلكترون شحنة سالبة وللبوزترون شحنة موجبة، وكذلك البروتون الموجب له ضديد سالب يشبهه في كل شي إلا الشحنة، والنيوترون المتعادل الشحنة له ضديد يختلف عنه في شحنة مكوناته من الكواركات، والكواركات أيضاً فيها الاعتيادي quark وضديده antiquark.

وهكذا نرى أن الكون وما فيه قائم على مبدأ الزوجية، قال الله تعالى: {وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [سورة الذاريات: 49]. وما يريده زعماء الغرب اليوم من سياسيين وحركات هدامة كالماسونية وغيرها إنما هو مخالف للطبيعة الكونية العامة والطبيعة البيولوجية ولكل ما يضمن بقاء النوع الإنساني. وإلا فكيف سيبقى نوع الإنسان إذا استغنى الذكر بالذكر والأنثى بالأنثى!




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=184364
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2023 / 07 / 14
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 15