
تحدثنا في الحلقة الأولى عن رحلة العيد والموت وآثار ذلك في بناء الذات، وفي الثانية عن رحلة العيد والدنيا، وفي الثالثة عن رحلة العيد والتوبة، وفي رحلتنا اليوم الأخيرة سنكون في إحدى جوانب جهاد النفس في رحاب الله ..
*-١-*
إنَّ العيد من أيام الله تعالى الخاصة، والتي تضمَّنت نفحات إلهية معينة يجب علينا أنْ نتعرَّض لها، ومن تلك النفحات لقاء المؤمنين فيما بينهم، وأداء عبادة من العبادات المهمة وهي صلاة العيد وما فيها من آثار كبيرة في صبيحة هذا اليوم، حيث التكبير لله، والتهليل والابتهال والانقطاع إليه، وتذكير الخطيب بمعالم الإيمان التي يجب أنْ نكون عليها؛ انطلاقًا للجد والاجتهاد والعمل في المجتمع، وهو أشرف الأعمال حيث ((ومن أحسن ممن دعا إلى الله))، فأيُّ دعوات مباركة ستكون في هذا اليوم وخطيب صلاته مولى الموحدين صلوات الله عليه.
*-٢-*
إنَّ معالم الإيمان في الشريعة الإسلامية المقدسة غير منحصرة في العبادات المعهودة، بل بما هو أوسع من ذلك في مجالات الحياة؛ ليكون الإنسان -وهو أشرف الموجودات- محاطًا بعناية الخالق، وتبقى تلك العلاقة الوثيقة بين العبد ومعبوده، وما فيها من آثار عظيمة على مستوى الفرد والمجتمع، وما أعظم تلك المعالم العشرة التي يستمع إليها العباد في يوم عودتهم إلى الله في هذه الخطبة!!
وما آثارها في بناء الذات لو تمت مجاهدة النفس من أجل تحقيقها!!
فلنتأمل بها بعد الفراغ من توصؤته بضرورة الالتزام بمعالم العبادات الشرعية المعهودة لنرى عظمة الشريعة، وشمولها، ودعواتها نحو البناء والكمال.
*-٣-*
إنها عَشَرةُ البناء والتكامل، والجد والاجتهاد والصلاح، وسبيل الفلاح والإصلاح:
١- *الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر*. وما فيها من صلاح للذات وتربية لها، بالابتعاد عن السوء الشخصي والنوعي، والالتزام بنداء الفطرة.
٢- *إعانة الضعيف.* وما فيه من استشعار بالآخرين وما يعانون منه من أذًى وبؤسٍ وحاجةٍ وفاقةٍ (فليس بمؤمن من بات شبعان وجاره جائع).
٣- *نصرة المظلوم*. وما فيه من قوة وعزة وتحقيق لمعنى الإخوة الإيمانية: (إنما المؤمنون إخوة).
٤- *ردع الظالم*. وما فيه من رد الظلمة والصلاة وحكام الجور، وإيقافهم عن ظلم العباد، والصرخة بوجوههم: (وما الله بغافل عمَّا يعمل الظالمون).
٥- *الإحسان إلى نسائكم*. فما أعظم هذه الشريعة المقدسة وهي تؤكد أهمية الإحسان إلى الزوجة ومحبتها واحترامها، وبناء الأسرة على ذلك؛ لبيان مصداق الفطرة: ((وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْها وَ جَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَ رَحْمَةً)).
٦- *الصدق في الحديث*. وأهمية ذلك في تهذيب النفس بالتحلي بفضائل الأخلاق في الصدق، واجتناب رذائل الصفات وهو الكذب، وما في ذلك من تكامل للذات.
٧- *أداء الأمانة*. وأهمية ذلك في تهذيب النفس واجتنابها عن الخيانة المادية والمعنوية، وبناء إنسان ومجتمع قويم، قائمٍ على ذلك في البيت والعمل، ومعاملة الآخرين.
٨- *الوفاء بالعهد*. فما أعظم هذه الدعوات القائمة على صفة الوفاء التي يجب أنْ تكون ذاتية، تتقوَّم النفس بها، فتحافظ على عهودها المعنوية والمادية، مع الله وخلفائه من جهة، ومع العباد من جهة أخرى.
٩- *القيام بالقسط*. وهي دعوة لتذكير الإنسان بعظمة العدالة والحق، والعمل عليهما، والدعوة إليهما قولًا وعملًا، وابتداء ذللك من الذات.
١٠- *الوفاء بالكيل والميزان*. فما أعظمهما في بناء العلاقات العامة، والتجارة على الصدق والوفاء، واجتناب بخس الناس أشياءهم، والحذر من المال الحرام وآثاره المعنوية والمادية على الفرد والمجتمع.
*أخيرًا* ..
فهذه هي معالم الإيمان لبناء الذات .. وهذه هي دعوة القرآن الناطق لترجمة القرآن الصامت الذي نتلوه آناء الليل وأطراف النهار ..
فعلينا أنْ ننادي بصدق وإخلاص من قلوبنا قبل ألسنتنا: *(لبيكَ اللهمَّ لبيكَ)*.. ونترجم هذه التلبية في العمل بجد واجتهاد وجهاد ..
جعلنا الله أهلًا لتلبية دعواته تلبية تليق به ..
وإلى لقاء جديد في عيد آخر إن شاء الله لنا اللقاء، وإلا فعند عليٍّ نرجو اللقاء
|