يظن الكثير أن الاسلام هو اسم الدين الذي أنزله الله () على النبي محمد () فقط. والصحيح هو ان الاسلام دين الله الواحد المتكرر الذي أنزله على الانبياء جميعهم. ومعنى الاسلام كما تعطيه الآيات المجيدة:
1- (الايمان بالله وتوحيده) (قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَمَّا جَاءَنِيَ الْبَيِّنَاتُ مِن رَّبِّي وَأُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (غافر: 66).
2- (الايمان بالله والعمل الصالح) بلى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُۥ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُۥ أَجْرُهُۥ عِندَ رَبِّهِۦ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (البقرة: 112)
3- (الدخول في دين الله) (أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُون (آل عمران: 83).
4- (العدل وعدم الجور) وَأَنَّا مِنَّا ٱلْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا ٱلْقَٰسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُوْلَٰئِكَ تَحَرَّوْاْ رَشَدًا (الجن: 14) فجعل سبحانه القاسطين (الجائرين غير العادلين) ضد المسلمين.
5- ويستدعي الايمان بالله (الرضا بقضائه وقدره والاتكال عليه) وهو معنى يستشف للإسلام ايضا من الآيات المجيدة (قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا هو مولانا وعلى الله فليتوكل المؤمنون (التوبة: 51) فالإسلام هنا بمعنى (التسليم لله).
وجاء في القرآن الكريم أن إبراهيم الخليل () صاحب أول دين إسلام وهو من سماه بهذا الاسم في قوله تعالى (مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِن قَبْلُ (الحج: 78). وإبراهيم (كَانَ حَنِيفًا مُّسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (آل عمران: 67). فالإسلام ليس دين النبي محمد () وحده، بل هو اسم لكل الاديان السماوية التي بشَّر بها النبيون وحملوا رسالاتها الى الناس ليؤمنوا بها، فالمؤمنون بالله أمة واحدة والاسلام دين الله الواحد (وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ (المؤمنون: 52). فإن ما تضمنته الديانات السابقة على الاسلام وكتبها السماوية تضمنه الاسلام وكتابه القرآن المجيد (مَّا يُقَالُ لَكَ إِلَّا مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِن قَبْلِكَ ( فصلت: ٤٣).
ويؤكد القرآن الكريم إسلامية الأديان السماوية كلها، وان الأنبياء كلهم حملوا تعاليم واحدة لدين واحد هو الإسلام، ولم يفترقوا إلا في لغة التبليغ، وبأمور اقتضتها متطلبات كل مرحلة، وهي فيما يخص التحريم والتحليل. ويتفق المفسرون على أن الأديان كلها تتحد وتتفق في الجوهريات الثلاث: التوحيد، والنبوة، والبعث.
وتأكيد القرآن (إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ (آل عمران: 19) لا يعني (الإسلام المحمدي) فقط، أو انه جاء يلغي الأديان السابقة عليه، فيفسرون خطأ بهذا الاتجاه قوله تعالى (وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ (آل عمران: 85)). والمعنى أن الدين المرضي عند الله جل جلاله هو الإسلام الذي عبر عنه إسلام محمد وإسلام موسى وعيسى وغيرهم، وان اختلافهم المزعوم بعد علمهم به هو بغي بينهم ليس غير.
وهذه الفكرة تتوضح في قوله (تعالى) أيضاً (كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ لِمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللّهُ يَهْدِي مَن يَشَاء إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (البقرة: 213)). فالله واحد والكتاب واحد، والاختلاف بغي من الناس بينهم ليس غير. وفي آية أخرى يذكر سبحانه وتعالى مجموعة من الأنبياء: إبراهيم ومن جاء بعده ليؤكد أن الدين بدأ إسلاما بإبراهيم الذي سماه ويبقى إسلاما وهو الذي يجب ان يكون عليه الناس ولا يقبل منهم غيره. الإسلام الواحد عند جميع الأنبياء وليس الإسلام المحمدي وحده (قُلْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ * وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ (آل عمران: 84، 85)). وطلب الله (عزل وجل) من النبي محمد () مجادلة المؤمنين من أهل الكتاب بالحسنى وبيان حقيقة أن الأديان الثلاثة ما هي إلا دين واحد (وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (العنكبوت: 46).
ولما كان الاسلام (الدين الواحد للرب الواحد) فلا يصح أن يتعصب ويغالي أهل كل ديانة في ديانتهم على حساب الحق، ولا يعادوا اصحاب الديانات الاخرى (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ (النساء: 171). وهذه الاية ترد الديانات كلها الى دين واحد هو الاسلام، كما تجعل الأتباع الصالحين في كل الديانات (مؤمنين). وهذا يجعل لائحة (التقارب بين الاديان) خاطئة؛ فالتقارب يكون بين المتباعدين وليس المتطابقين. والسبب انهم لا يجعلون الديانات الثلاث مصدرها واحد هو الله العظيم، ويضعون اختلافات جوهرية بين الديانات السماوية.
وجاء ذكر الإسلام من لدن أنبياء آخرين غير الرسول كقول النبي موسى عليه السلام (وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّسْلِمِينَ (يونس: 84). وقال النبي يوسف الصديق (رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنتَ وَلِيِّي فِي الدُّنُيَا وَالآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (يوسف: 101)). وجاء في قصة بلقيس (فَلَمَّا جَاءتْ قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِن قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ (النمل: 42)، مما يعني ان ديانة موسى ويوسف وسليمان والانبياء كلهم (عليهم السلام) إسلام.
ونجد القرآن الكريم لا يطلب من أهل الكتاب نبذ التوراة والإنجيل وراء ظهورهم والاستعاضة عنهما بالقرآن، بل يطلب منهم العودة الى كتابيهما بعد ازالة البدع منهما، والعودة بهما إلى الصورة التي نزلا بها (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّىَ تُقِيمُواْ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ (المائدة: 68). ثم يؤكد ذلك ويقويه بآية كررها مرتين باختلاف بسيط. (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالصَّابِؤُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وعَمِلَ صَالِحًا فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ (المائدة: 69) ومثلها (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ (البقرة: 62). تدل الآيتان على قبول المسيحية واليهودية والصابئية والمجوسية وكل دين سماوي إذا طبق وفق كتابها المنزّل دون الحاجة إلى تغييره إلى دين محمد. وأكدت ذلك الآية الثانية بانهم لا خوف عليهم (بشرط تطبيق كل شخص دينه بلا تحريف).
وإذا جادل بعضهم بأن الإسلام دين محمد فقط، وما ورد بخصوص الأديان السابقة عليه اسم الإسلام يفسر بالإطلاق أو بالتسليم لله، فإننا نقول: ان المسيحية ليس اسم الدين الذي انزل على عيسى، واليهودية ليس اسم الدين الذي انزل على موسى، بل هما نسبة الدين لنبيه، ونحن نقول عن الإسلام (الديانة المحمدية) فيما يقابل الديانة المسيحية والديانة اليهودية. فما اسم الديانتين؟ لا جواب لديهم! والجواب هو الإسلام. ويعزز ذلك قوله تعالى (مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلاَ نَصْرَانِيًّا وَلَكِن كَانَ حَنِيفًا مُّسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (آل عمران: 67). وهو يعني بطلان هذه النسبة، فدين إبراهيم لا ينسب إليه، وكل دين لا ينسب إلى نبيه بل هو دين الله، فإبراهيم ليس يهوديا ولا نصرانياً، بل هو موحد مسلم، وهي حال الديانتين اللتين تنسبان إلى إنسانين، وكان يجب أن تبرآ من أي إشراك بعدم نسبتها إلى الإنسان بل إلى الله وهو جوهر الدين وكل دين سماوي، أو هو جوهر الإسلام.
ولكن علينا الحذر؛ فالديانات السابقة على الاسلام مسختها البدع واخرجتها من (ماهية الاسلام) وقد ذكر الجاحظ ان الديانة المسيحية صارت مشركة، وهي الحال مع اليهودية وغيرها. وذكر البروفسور (زورومي شابولك) رئيس جامعة بازماني بيتر الكاثوليكية الهنكارية في محاضرته التي القاها في جامعتنا (جامعة واسط) اثناء زيارته عام 2015 أن العثمانيين حين احتلوا بلاده، سألهم الاهالي: هل ستجبروننا على الاسلام، فقال العثمانيون: بل نطلب منكم العودة الى اصل ديانتكم المسيحية لانها الان اصبحت ديانة مشركة. ولو وعى المتدينون ذلك لتحول اليهودي والمسيحي والصابئي والمجوسي الى الاسلام دون تردد، ولم يجدوا حيفا في التحول عنها الى الاسلام، فان الله سبحانه طلب منهم ان (يسلموا = التسليم لله) ليعودوا الى اصل دياناتهم، لانهم ان عادوا سيجدون أنفسهم في (الاسلام). وهي الدعوة التي دعا الله سبحانه الناس جميعا لها (التسليم لله) (فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُل لِّلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ (اهل الديانات السماوية) وَالْأُمِّيِّينَ (العرب الكفار) أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوا وَّإِن تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (آل عمران: 20)
وفي معنى الإسلام ذكر العلامة محمد جواد مغنيَّة في شرحه (الكاشف) انه قرأ مقالا للكاتب ضياء الريِّس جاء فيه أن كاتبة انكليزية لخصت مبادئ المسيحية بكلمة واحدة هي (المحبة) وتحدت العالم الإسلامي بأسره بشخص كاتب عربي دخل في نقاش معها، أن يختصر مبادئ الإسلام بكلمة واحدة، فأجابها الكاتب هي كلمة (التوحيد). وقد وجد ضياء الريِّس أن الكاتب لم يوفق في اختياره الكلمة واقترح أن تكون (الرحمة). وهنا قال جواد مغنية أن الريس لم يوفق أيضاً في اختياره هذه الكلمة لأنها لا تعبر عن جوهر الإسلام، واقترح كلمة (الاستقامة). وقد فاتهم جميعاً أنَّ الأديان السماوية الثلاثة غير منفصلة عن بعضها أو مختلفة بينها، وإنما هي دين واحد اسمه (الإسلام). وبهذا فالأديان الثلاثة ستختصرها كلها كلمة واحدة، وليس كلاًّ على حدة. وهذه الكلمة الواحدة تبينها الآية الكريمة (قُلْ إِنَّمَا يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَهَلْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ (الأنبياء:108) فالإسلام تلخصه كلمة (التسليم لله) ايمانا، وتوحيدا، وعملا صالحا، وتدينا، ورضا بقضائه وقدره وقبولا لمشيئته. .
|