بحث مُستل من كتاب (بل عبادٌ مكرمون- دراسة قرآنية وحديثية في نقد الغلوّ) لكاتب المقال
بسم الله الرحمن الرحيم
ورد العديد من الروايات الشريفة حول لزوم عرض ما يصلنا من أحاديث أهل البيت صلوات الله عليهم على القرآن الكريم وملاحظة مدى موافقتها له، فإن كانت موافقة له أخذنا بها، وإن كانت مخالفة له رددناها، لأنهم لا يقولون ما يخالف كتاب ربهم، أي إن هنالك خللاً في طريق وصول الرواية لنا وإنهم صلوات الله عليهم لم يقولوها.
وقال الشيخ المفيد: (وكتاب الله تعالى مقدم على الأحاديث والروايات، وإليه يتقاضى في صحيح الأخبار وسقيمها، فما قضى به فهو الحق دون ما سواه).[1]
وذكر السيد اليزدي صاحب كتاب "العروة الوثقى": (ولكنّ ظاهر كثير من الروايات أنّ العرض على الكتاب مقدّم على جميع أقسام التراجيح، بل روى الكليني في باب الأخذ بالسنة وشواهد الكتاب أخباراً كثيرة دالّة على أنّ الخبر الغير الموافق لكتاب الله زخرف وباطل، ويلزم طرحه وإن لم يكن له معارض، وعلى هذا فإذا تعارض حديثان ينبغي عرضهما على القرآن أو السنّة المقطوع بهما والعمل بالموافق لهما)[2].
وذكر الشيخ مرتضى الأنصاري[3] أن أخبار العرض على الكتاب متواترة بالمعنى.
وقال السيد الخوئي: (وقد دلّت الأخبار المتواترة على وجوب عرض الروايات على الكتاب والسنة وأن ما خالف الكتاب منها يجب طرحه، وضربه على الجدار)[4].
ومن هذه الأحاديث ما في كتاب الكافي للشيخ الكليني، ج ١، تحت عنوان "بابُ الأَخذِ بِالسُّنَّةِ وشَواهِدِ الكِتابِ" عن الإمام الصادق سلام الله عليه:
- {قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وآله: إِنَّ عَلَى كُلِّ حَقٍّ حَقِيقَةً وعَلَى كُلِّ صَوابٍ نُوراً، فَما وافَقَ كِتابَ الله فَخُذُوه وما خالَفَ كِتابَ الله فَدَعُوه}،
- {خَطَبَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وآله بمنى فَقالَ: أَيُّها النّاسُ ما جاءَكُم عَنِّي يُوافِقُ كِتابَ الله فَأَنا قُلتُه، وما جاءَكُم يُخالِفُ كِتابَ الله فَلَم أَقُلْه}،
- {إِذا وَرَدَ عَلَيكُم حَدِيثٌ فَوَجَدتُم لَه شاهِداً مِن كِتابِ الله أَوْ مِن قَولِ رَسُولِ الله، وإِلا فَالَّذِي جاءَكُم بِه أَولَى بِه}،
- {كُلُّ شَيءٍ مَردُودٌ إِلَى الكِتابِ والسُّنَّةِ، وكُلُّ حَدِيثٍ لا يُوافِقُ كِتابَ الله فَهُوَ زُخرُف}.
- {ما لَم يُوافِق مِنَ الحَدِيثِ القُرآنَ فَهُوَ زُخرُفٌ}.
ورُوي أن الإمام الرضا سلام الله عليه سُئل: كل شيء تقول به في كتاب الله وسنّته أو تقولون فيه برأيكم؟ قال سلام الله عليه: {بل كل شيء نقوله في كتاب الله وسنة نبيّه}[5].
وعن يونس بن عبد الرحمن: (إن بعض أصحابنا سأله فقال له: يا أبا محمد ما أشدّك في الحديث وأكثر إنكارك لما يرويه أصحابنا، فما الذي يحملك على رد الأحاديث؟ فقال: حدثني هشام بن الحكم أنه سمع أبا عبد الله عليه السلام يقول: {لا تقبلوا علينا حديثاً إلا ما وافق القرآن والسنة، أو تجدون معه شاهداً من أحاديثنا المتقدمة، فإن المغيرة بن سعيد لعنه الله دسّ في كتب أصحاب أبي أحاديث لم يحدث بها أبي. فاتقوا الله ولا تقبلوا علينا ما خالف قول ربنا تعالى وسنة نبينا صلى الله عليه وآله، فإنا إذا حدّثنا قلنا قال الله عزّ وجلّ وقال رسول الله صلى الله عليه وآله}. قال يونس: وافيت العراق فوجدت بها قطعة من أصحاب أبي جعفر عليه السلام ووجدت أصحاب أبي عبد الله عليه السلام متوافرين، فسمعت منهم وأخذت كتبهم، فعرضتها من بعد على أبي الحسن الرضا عليه السلام فأنكر منها أحاديث كثيرة أن يكون من أحاديث أبي عبد الله عليه السلام. وقال لي: {إن أبا الخطاب كذب على أبي عبد الله عليه السلام، لعن الله أبا الخطاب. وكذلك أصحاب أبي الخطاب يدسون هذه الأحاديث إلى يومنا هذا في كتب أصحاب أبي عبد الله عليه السلام. فلا تقبلوا علينا خلاف القرآن، فإنا إنْ تحدثنا حدثنا بموافقة القرآن وموافقة السنة. إنا عن الله وعن رسوله نحدث، ولا نقول قال فلان وفلان، فيتناقض كلامنا. إن كلام آخرنا مثل كلام أولنا، وكلام أولنا مصادق لكلام آخرنا. فإذا أتاكم من يحدثكم بخلاف ذلك فرُدّوه عليه وقولوا أنت أعلم وما جئت به، فإن مع كل قول منا حقيقة وعليه نوراً، فما لا حقيقة معه ولا نور عليه فذلك من قول الشيطان})[6].
[1]) تصحيح اعتقادات الإمامية، ص 44.
[2]) التعارض، ج ١، ص ٤٢٩.
[4]) البيان في تفسير القرآن، ص ٢٣١.
[5]) بصائر الدرجات، ص 321.
[6]) اختيار معرفة الرجال، ج ٢، ص 489.
|