• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : اللاشعور والإبداع .
                          • الكاتب : جلال حميد .

اللاشعور والإبداع

عندما تقرأ قصيدة أبو القاسم الشابي ( أذا الشعب يوما أراد الحياة فلابد أن يستجيب القدر ولابد للليل أن ينجلي ولابد للطوق أن ينكسر (ينتابك شعور  بأن الشاعر كان يخاطب الشعب العربي , هذا الشعب الذي يعيش هذه الايام ثورته الكبرى التي أطلق عليها بالربيع العربي ، تشعر أنه كان يخاطب شباب الفيس بوك والتويتر , تشعر أنه يخاطب البو عزيزي . إذ لايعقل أن تكون هذه القصيدة الخالدة , جاءت بخصوص تلك الثورات العربية ،التي اكتشفنا بعد أكثر من نصف قرن ..ما هي إلا انقلابات عسكرية , وأن قادتنا الأفذاذ , ما هم إلا زعماء عصابات كرسوا كل حياتهم في بناء الملاجئ والسراديب , في سبيل الحفاظ على عروشهم .كيف استطاع أبو القاسم الشابي أن يبصر المستقبل هكذا ؟.كيف ظلت هذه القصيدة ما يقارب النصف قرن مثل نار من تحت الرماد وأشعلت فتيل الثورة ؟.أنه عالم اللاشعور , وسلطة العقل اللاواعي , المبدعون وحدهم يدركون هذه السر ,كلما أطلقت العنان لعقلك اللاواعي كلما صار العمل أكثر إبداعا. ولنأخذ نموذج آخر .
الكاتب الكولومبي غابرييل غارسيا ماركيز, يقول عن روايته مائة عام من العزلة ,تلك الراوية التي من خلالها حصل على جائزة نوبل عام 1982 ,( روايتي مائة عام من العزلة هي من أكثر الروايات التي كتبتها بتفاهة ولامبالاة ) بتفاهة ولامبالاة !!، معنى ذلك أنه تخلص من الشد والتوتر الذهني الذي يتطلبه التركيز في الكتابة .أي أنه كان عقليا هادئا مسترخيا , وهكذا بقصد أو بدون قصد , أطلق العنان لعقله اللاواعي . نموذج آخر ......كنت قبل أيام جالس في عيادة طبيب الأطفال الدكتور سامي سعيد السامر ,فجأة وقعت عيناي على طفلة صغيرة ,متكورة في أحضان أمها ، وجه موميائي نحيل ، خصلات مجعدة نافرة ,عينان مسهدتان ،وأنا أتفحص وجه هذه الصغيرة , انبثقت في رأسي فكرة البحث ولملمة شتات حلم هارب , كأني رايتها !! لعلني اعرفها !! , أكاد اعرفها , الفكرة تطفو إلى سطح إدراكي ووعيي ,.....المنادي يقطع علي الطريق ...مريم حمزة ...!!تنهض الأم وتحمل معها زهرة عباد الشمس الذابلة ,وهي إذ تروم الدخول إلى غرفة الطبيب ،رمقتني الصغيرة بنظرة سريعة و ابتسامة خافتة وتوارت خلف الباب ...........كأني سمعتها تقول ...ها ....هل عرفتني الآن ؟! نعم عرفتها ...! أنها ..مريم حمزة ..هي..اقحوانة اللوكيميا ..هي منحوتة , أو لوحة, لم يخطها بيكاسو ، ولا فرانشيسكو غويا , ولا هنري مور. 
خطها فنان من بلاد مابين النهرين ، لن تجدوها في متحف اللوفر أو في متحف الشمع في لندن بل ستجدونها في كراسة كانون , فالفنان هو محمد خضير وقد خطها في أواخر القرن الماضي وأودعها في قطار انكليزي , حيث كان يقف الكاتب السومري دودو عند محطة لكش ,وهكذا عبرت مع العابرين إلى القرن الجديد .في وقت كان العالم بأسره , منشغل في إيجاد حل لمشكلة الصفر في الكومبيوتر .
أنا على يقين من أن محمد خضير خط لوحته بنفس الطريقة التي كتب بها ماركيز روايته مائة عام من العزلة . أي بلا مبالاة . وهكذا انبثقت إلى الوجود لوحة أو منحوتة رائعة اسمها اقحوانة اللوكيميا إن إطلاق العنان إلى عقلك اللاوعي . معناه الغوص عميقا في عالم اللاشعور اللامتناهي حيث لازمان ولا مكان



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=18315
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2012 / 06 / 12
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 15