مقولة وتعليق / 35/ نعم نحن جماعة ( الخطيه )

 

ومما قاله الكاتب المصري مصطفى محمود : (( الرحمة أعمق من الحب وأصفى وأطهر , فيها الحب وفيها التضحية وفيها إنكار الذات وفيها التسامح وفيها العطف وفيها العفو وفيها الكرم , وكلنا قادرون على الحب بحكم الجبلة البشرية وقليل منا هم القادرون على الرحمة )) .

للتحلي بخلق الرَّحْمَة الانسانية فوائد عظيمة وثمار جليلة ، فما أن يتحلى الانسان بهذه الصفة النبيلة ، ويتجمَّل بهذه السَّجيَّة حتى تظهر آثارها وتؤتي أكلها... ليس عليه فقط ، بل عليه وعلى من حوله من ابناء جلدته بل والمجتمع بصورة عامة ، فهي ركيزة عظيمة ، ينبني عليها مجتمع مسالم و متماسك يحس بعضه ببعض ، ويعطف بعضه على بعض ، ويرحم بعضه بعضًا... وينعم الكل فيه بالسعادة والطمأنينة والامن والتكافل الاجتماعي ... ؛ و أنها تشعر المرء بصدق انتمائه للمجتمع و الوطن ، فمن لا يرحم لا يستحق أن يكون فردًا في المجتمع أو جزءًا منه ؛ لأنه خارج عن دائرة القيم والمثل والاخلاق الحضارية العراقية الاصيلة ؛ فتاريخنا العراقي والاسلامي والعربي زاخر بالأقوال والحكم التي تدعو للرحمة والشفقة فيما بين الناس ؛ اذ جاء في الموروث التاريخي : ((ليس منا من لم يرحم صغيرنا، ويعرف شرف كبيرنا – او يوقر كبيرنا - )) و (( ارحموا من في الارض يرحمكم من في السماء )) ... الخ ؛ ناهيك عن الآيات القرآنية والتي تؤكد على الرحمة : ((وما أرسلناك إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ )) و ((وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ۚ)) ... الخ ؛ وهذه الآية فسرها البعض : بان رحمة الخالق تشمل جميع المخلوقات وبلا استثناء ؛ فالكل خلق الله ؛ لذلك شمل كل جميع بني البشر بل والحيوانات ايضا بالنعم والخير ؛ كالحياة , والغذاء , واستنشاق الهواء , والصحة والحركة , وسائر النعم الاخرى ... .

جاء في المورث الديني العراقي والاسلامي : أنه على قدر حظ الإنسان من الرَّحْمَة، تكون درجته عند الله ، وقد كان الأنبياء أشدَّ النَّاس رحمة ، وكان النبي محمد أوفرهم حظًّا منها : ((لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ )) ... ؛ ولعل من اهم الاسباب التي ادت الى اختلاف وتفرق المسلمون فيما بينهم بعد وفاة النبي محمد وانشطارهم الى خطين رئيسيين – بالإضافة الى بعض الخطوط الضعيفة والتي اندثرت بسبب عدة عوامل - : هما الخط العلوي او الهاشمي واتباعهم ؛ والخط القرشي – ان جاز التعبير - ؛ الدعوة الى التمسك بالخلق الاسلامي - المتمثل بالرحمة وغيرها من مكارم الاخلاق - ؛ وهجر العادات الجاهلية والسلوكيات الاعرابية الهمجية ... الخ ؛ وعندها صرح الامام علي : ((وَلُبِسَ‏ الْإِسْلَامُ لُبْسَ الْفَرْوِ مَقْلُوباً )) وهذه المقولة تلخص الانقلاب الذي حصل على مفاهيم وقيم الاسلام وقتذاك والذي ادى الى ارتكاب الكثير من الجرائم والجرائر والاخطاء ... الخ , ومنها على سبيل المثال وليس الحصر : جريمة خالد بن الوليد بحق الصحابي الصالح مالك بن نويرة ؛ فقد قتله شر قتلة , بل وحرق رأسه وجعله وقودا كما الحطب لاعداد الطعام ؛ فقد انفتحت شهيته للاكل والنكاح بعد هذه الجريمة النكراء ... ؛ ولعل هذه الرواية التاريخية تؤكد لنا هذه الحقيقة التي حاول البعض طمسها كباقي الحقائق المغيبة : اذ قال الذهبي - (تاريخ الإسلام 3/ 34) - : (( ... فالتفت مالك إلى زوجته وقال: هذه التي قتلتني، وكانت في غاية الجمال، قال خالد: بل الله قتلك برجوعك عن الإسلام، فقال : أنا على الإسلام، فقال: اضرب عنقه، فضرب عنقه وجعل رأسه أحد أثافي قدر طبخ فيها طعام، ثم تزوج خالد بالمرأة ... )) ؛ اذ لم يكتف بقتله بل اغتصب زوجته ؛ ولهذا السبب اصر عمر بن الخطاب وقتها على عزله وإقامة حد الزنا على خالد ، لكن الصحابي أبي بكر قال أن : خالد أخطأ ... . (1) .