• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : أمين الله / ٢ .
                          • الكاتب : يحيى غالي ياسين .

أمين الله / ٢

عندما تسلّم أمير المؤمنين ؏ مقاليد الخلافة ، كان بالنسبة للبعض محمّلاً بذنوب كبيرة من جهاده في بدر وحنين وخيبر وباقي معارك التنزيل .. وكأن لسان حاله ما قاله نبي الله موسى ؏ ( وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ ) الشعراء ١٤ .فهو بنظر شريحة واسعة من المسلمين - الذين لم تُستأصل منهم شوائب الجاهلية بعد - قتّال العرب وقاتل الأحبة وليس قاتل الكفرة والفجرة والمشركين ..!

ثم أضاف عليه السلام الى ذنبه التاريخي هذا جريمة السياسة الإصلاحية الكبيرة والحدّية والتي لا تقبل القسمة على إثنين لمفاصل الدولة الإدارية والمالية والاجتماعية والاقتصادية وكما أشرنا اليه في الحلقة السابقة ، فضُربت دنيّا ومصالح طبقة أرستقراطية لها ثقلها وكانت تمثّل الدولة العميقة داخل المجتمع الذي أشرفت على صناعته الخلافة المغتصبة ، فشملت صولة الإصلاح هذه ولاة أمصار وأسماء رنّانة وأصحاب منافع ومفاسد كبيرة بدعم ورعاية من الدولة آنذاك ..

خطب عليه السلام في اليوم الثاني من بيعته بالمدينة فقال : ( ألا إن كل قطيعة أقطعها عثمان ، وكل مال أعطاه من مال الله ، فهو مردود في بيت المال ، فإن الحق القديم لا يبطله شيء ، ولو وجدته وقد تزوج به النساء ، وفرق في البلدان ، لرددته إلى بيت المال ، فإن في العدل سعة ، ومن ضاق عنه الحق فالجور عليه أضيق ) ، وأطلق قانون : ( العدل أفضل السياستين ) .

فلا تأريخ عند عليّ عليه السلام يساعد على جمع أكبر قدر من الموالين ، ولا حاضر كذلك أتى به لمجتمع أفضل ما يوصف به هو قوله تعالى في قصة قوم لوط على لسان الملائكة : ( فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ) الذاريات ٣٦ ، مجتمع منقسم على نفسه وفاقد الثقة من قدرته الى الدرجة التي يخاطبهم بها عليه السلام : ( قاتلكم الله لقد ملأتم قلبي قيحا ، وشحنتم صدري غيظا ، وجرعتموني نغب التهمام أنفاسا ) .

واجه أمير المؤمنين أعداءً يحملون روح الإنتقام ، عدو مستميت لم يبق لديه ما يخسره ، أناس لديهم جراحات عميقة من السابق ولكمتها جراحات عدالته وإدارته لشؤون الأمّة بالحق ولا شيء غير الحق ..! . واجه عليه السلام ذلك بجيش يحمل معه ألف مرض ومرض .. فاندلعت الحروب الثلاثة ، حرب الناكثين بقيادة ( طلحة والزبير وعائشة ) والقاسطين ( معاوية وجيش الشام ) والمارقين ( الخوارج ) .. فانتصر في الأولى والثالثة وأضطرته الظروف الى الموافقة على مكيدة التحكيم في الثانية ..

بهذه الطوبغرافية الوعرة كانت ساحة الخلافة الإسلامية في عهد أمير المؤمنين عليه السلام ، فإمّا أن يكون أحد الأرقام في قائمة خلفاء برلمان السقيفة ويحكم بحكمهم وتتسق الأمور لديه لبضع سنوات ولكن على حساب الدين وشريعة سيد المرسلين .. أو يعمل بما يمليه عليه الواجب وإن تطلّب منه الأمر إخراج ذي الفقار من غمده والذي طالما ذاد به عن الإسلام وأذاق به عدوّه الحِمام .. يتبع




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=180641
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2023 / 04 / 09
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 15