ماذا أفعل لهذه المرأة التي لا تريد أن تفهم إلا ما تعرف، وما لا تعرفه تنكره تماما، ردًا على موضوع كتبته عن علاقة العصمة بعلم الغيب، كتبت تعقيبها، تقول لي، أعلمي أن علم الغيب من مختصات الله وليس لغيره حتى النبي محمد صلى الله عليه وسلم، فكيف تؤمنون بان الائمة عندهم علم الغيب وكتبت لي قوله تعالى (وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلا هُوَ) وعادت لي وكتبت قوله تعالى (قُلْ لا أمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا ولا ضَرًّا إلّا ما شاءَ اللَّهُ ولَوْ كُنْتُ أعْلَمُ الغَيْبَ لاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الخَيْرِ وما مَسَّنِيَ ... إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) وكتبت لي قوله تعالى (قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ)
حيرني أمر هذه المرأة التي لا تترك لي مجالا لأفهمها، كتبت لها أنا مثلك أؤمن أن الله وحده علام الغيوب، وهو وحده المطلع على خفايا الأمور بيد أنها صعقت بوجود هذا الإيمان وربما تظن أن وحدها من تؤمن بهذه الحقيقة
نعم أنا أؤمن بما تؤمن، لكن هذا الأمر لا يعني أن أبواب الغيب مقفلة في وجوههم حتى مع إرادة الله سبحانه وهو مالك الغيب والشهادة، اطلاع الأنبياء والمعصومين على بعض المغيبات جزء من الفيض الإلهي الذي اختصه من يشاء من عباده، ربما هذا الكلام جديد وغير مطروق سابقا بالنسبة لها، أو ربما لا تقبل أن تسمع به من قبل أساسا لذلك كنت أتوقع أنها ستثور، طالبتها بالتروي وعدم العجلة، هناك حشد من الآيات والروايات ما يؤكد هذه الحقيقة، فقد أطلع الله بعض رسله وأوصياءه على مغيبات أثبات مصداقيته للناس
يقول الله تعالى (إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ* ذِي قُوَّةٍ عِندَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ* مُّطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ* وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ* وَلَقَدْ رَآهُ بِالأفُقِ الْمُبِينِ* وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ*)
وهذا المنطق القرآني يدل على العلم بالغيب هو من مختصات الله سبحانه، لكن لا يمنع من إفاضته على بعض عباده ممن يشاء هو سبحانه وتعالى ومن الطبيعي أن يكون هناك نوع من الارتباط بين الرسل وعالم الغيب، والاطلاع على الغيب والمغيبات
كتبت لي تتساءل هل الإمام علي يعلم الغيب؟
أجبتها، يقول الامام الصادق عليه السلام (والله لقد أعطينا علم الأوليين والآخرين)
قال له رجل من أصحابه: ـ أعندكم علم الغيب؟
أجابه ويحك أني لأعلم ما في أصلاب الرجال وأرحام النساء، ويحكم أني لأعلم ما في أصلاب الرجال (ويحك أني لأعلم ما في أصلاب الرجال وأرحام النساء، ويحكم وسعوا صدقهم ولتبصرا عينكم ولتع قلوبكم فنحن حجة الله تعالى في خلقه
يبدو أن الأمور تعقدت في رأسها حال الأئمة عليهم السلام لذلك ترى أن الحياة المؤلمة التي عاشها الأئمة والمعاناة لا تدل على علمهم بالغيب، أغلبهم قتل بالسهم، ربما الصعوبة ليست في حقيقة النقاش نفسه لكن الصعوبة في إقناع من يحمل تلك المحدودات، ويتعكز الغموض في نوع القدرة التي يملكها المعصوم
كتبت إن اطلاع الأئمة على الغيب لا يعني أنهم يعيشون حياتهم به، وهم بشر كسائر الناس، الإمام الباقر عليه السلام يقول ( يبسط لنا العلم فنتعلم، ويقبض عنا فلا نعلم) بمعنى أن العلم بالغيب لا يؤثر على مسار الاحداث، نماذج من أنباء الغيب بشر الأئمة ومنها الإمام علي عليه السلام، بشر الصحابي الجليل عمرو بن الحمق الخزاعي باستشهاده وسيكون راسه أول راس يطاف به بين المدن وتحققت النبوءة، أخبر الامام الحسن بما يتعرض له ، وقد أخبر العالم عن كربلاء، في حياة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، كان الحسين عليه السلام يقول (والله ليجتمعن على قتلي بنو أمية ويقدمهم عمر بن سعد) والكثير من الأمور الغيبية
كتبت لي هذا بمعنى أن علم الأئمة عليهم السلام، فرحت كثيرا حين وجدتها وضعت بعد اسم الائمة عليهم السلام
يمكن تقسيم الحقائق إلى نوعيين حقائق تنتمي إلى عالم الغيب وأخرى تنطوي في عالم الشهادة، ويطلع من يشاء من عباده على الغيب، وأئمة أهل البيت قادرون بإذن الله على الاطلاع على بعض الغيبيات، والعلم بالغيب لا يؤثر في المسار الحياتي للمعصوم
|