في موضوع الفساد ،، يسود البعض قلق مشروع حين يجدون انه كلما تزداد الدعوات والمبادرات والحملات لمعالجة الفساد تزداد كميته ونوعيته ، فرغم الشعارات الرنانة وما أعلن في برامح الحكومات بعد ٢٠٠٥ لمكافحة الفساد يلاحظ إن الفساد يزداد أكثر من ذي قبل ، وهناك أسباب تقف وراء ذلك لعل أبرزها إن طرح شعارات القضاء على الفساد باتت تعطي المشروعية للبعض من ضعاف النفوس في ممارسته حين ينتابهم الشعور بأن الفساد تحول لمسألة عامة تتم ممارسته لدرجة إن الدولة وكل الجهات تنشغل بمكافحته ولكنه موجود ، والسبب الثاني إن الفساد اخذ يتحول من شكله الفردي البسيط ( المنبوذ ) إلى فساد نظمي وهو من اخطر أنواع الفساد الشائعة عالميا ، ونقصد بذلك إن ما يتم تأكيده علنا بان بعض المناصب تشترى وتباع وان هناك جهات وواجهات ومستويات تمارس الفساد وتحميه وتحوله إلى شكل نظام فيه مدخلات ومخرجات يتم من خلاله تقاسم الغنائم بطريقة يتفق عليها من قبل اغلب الفاسدين في المنظومة ، أما السبب الآخر فإن رفع شعارات الفساد من دون ظهور نتائج رادعة يدفع البعض لارتكاب الفساد على سبيل المحاولة او المخاطرة وعند نجاحها فإن الفرد يقوم بتكرار الفساد في ظل ضعف منظومات الرقابة والعلاج وبعدها يتحول لممارسة معتادة يتم اللجوء لحمايتها من خلال الانضمام للمنظومات الفاسدة والقبول بشروطها ، كما أن هناك أسباب أخرى يضيق المجال لذكرها ومن أبرزها ما يظهر للعيان من يأس الجهات المعنية في التصدي للفساد بسبب حجمه وتفرعاته ومسوغات انتشاره وإصابة الآخرين به ، فالبعض ممن يرتكب الفساد يرى إن الدولة ( ظالمة ) ولا تعوض الفرد بدخل يسد متطلبات الكفاف من الاحتياجات لذا يلجأ للفساد كوسيلة لسد النقص بين المدخولات والمتطلبات ، ومن أدلتهم بذلك أن الرواتب لم تزداد منذ نفاذ قانون رواتب موظفي الدولة رقم 22 لسنة ٢٠٠٨ لحد اليوم إلا من خلال العلاوات السنوية المضحكة وفي مقابل ذلك تزداد معدلات التضخم ومتطلبات المعيشة لمستويات لا يستطيع الكثير مجاراتها من خلال الدخل المشروع ، وهي حالات لا يمكن تعميمها على الكل ولكن البعض يتعكز عليها في ظل ضعف الرادع القوى.
وعن موضوع اليأس من معالجة الفساد أتذكر يوما إن مسئولا رفيعا في هيئة النزاهة زار دائرتنا لتقديم ندوة عن الفساد وحين كنا نتجول في الأروقة للوصول إلى قاعة المحاضرات أشرنا له لأحد البوسترات المعلقة على الجدار وكتب عليها ( لا فساد بعد ٢٠٠٨) وسألناه في حينها هل هذا الكلام سيتحقق بالفعل ، فقال؛ هذه وضعوها قبل استلامي المسؤولية وابتسم في إشارة إلى أن التصدي الحقيقي للفساد ابعد من وضع الشعارات او القضاء عليه في تاريخ محدد ، وفي نظرة ( غير متشائمة ) نرى إن الفساد باق ويزداد كما ونوعا وان معالجته تتعقد بمرور الأيام ، فالفساد آفة ومن الواجب التصدي له أولا بأول دون انتظار لان الوقت الذي يتم استغراقه في وضع الاستراتجيات والخطط والبرامج والفعاليات يتم استغلاله من قبل الفاسدين الذين غالبا ما يصنعون ظروف معقدة في الكشف عن هويتهم وأساليبهم لأنهم ليسوا جميعا من الأغبياء ، كما إن غياب الرقابة الفورية المصحوبة بإجراءات لاذعة هي من سمحت باستشراء الفساد وتحوله من (المزعطة ) لغيرهم ، ففي الدوائر الخدمية كان الفساد ظاهرا للعيان ولم يعالج مما جعل مرتكبيه يبتكرون طرق في تضخيمه وتحويله لشكل أكثر تعقيد ، وليس من المستغرب أن يكون بلدنا في ترتيب الدول الأكثر فساد او أن يبقى بمستواه لان الانتقال إلى مستوى متدني في ممارسة الفساد يحتاج النظر للفساد من كونه بسيطا لشكل تحول لمنظومات لها مظلات تحميه ، كما انه يحتاج لإجراءات وقائية تمنع الفساد من حيث توفر الإرادة والإدارة وتحقيق العدالة والقضاء على الأمراض البيروقراطية من الترهل والارتجال والاجتهاد والتصدي الفاعل لأي تغييب للإجراءات والمعالجات ، وإذا لم نتدارك الأمر بعد دخولنا المراحل المتقدمة فستكون كل قصص الفساد التي نسمع عنها قابلة للتصديق واعتيادية على مسامعنا ولا تثير الاستغراب ، فلا تزال قضية سرقة القرن في جدل يعتقده البعض انه عقيم و تكشف ضعف جدوى بما نتخذه من إجراءات ، كما سمعنا قبل أيام عن مدير تمت مداهمته ووجدت بحوزته المليارات ووثائق عن تملكه العديد من العقارات من أموال السحت رغم انه لم يكمل ربيعه الأول في منصبه الرفيع ، ومنطق العقل يقول لا تصدعوا رؤوسنا بكلام عن الفساد فالشرف في التصدي للفساد يتطلب إثبات الجدية والشجاعة والنزاهة في التصدي والكشف عن حيتانه والحشرات .
|