فيـا بائـعا هــــذا ببخـس معجــل *** كأنـك لا تـدرى؛ بلـى ســوف تعلــم
فإن كنت لا تدري فتلك مصيبة *** وإن كنت تدري فالمصيبة أعظم
كان على المشرع مراجعة قوانين الخدمة المدنية منذ صدور الأول منها بالرقم (103) لسنة 1931، للتعرف على ما جاء فيه بأن (رئيس الدائرة- هو الموظف الأكبر في كل دائرة بعد الوزير). وفي قانون الخدمة المدنية رقم (64) لسنة 1939 بأن ( الوزير– رئيس الوزراء فيما يختص بموظفي ومستخدمي ديوان مجلس الوزراء والدوائر التابعة له، والوزير المختص فيما يختص بموظفي ومستخدمي وزارته، ويعتبر كل من رئيس مجلس الأعيان والنواب ورئيس الديوان الملكي ومراقب الحسابات العام بمثابة الوزير فيما يختص بموظفي ومستخدمي مجالسهم ودواوينهم في الشؤون المتعلقة بتنفيذ هذا القانون، على أن يعتبر رئيس الوزراء بمثابة الوزير في الأمور التي تستلزم إستحصال إرادة ملكية ). وفي قانون الخدمة المدنية رقم (55) لسنة 1956 أضيف (رئيس مجلس الخدمة العامة) لتأسيس المجلس المذكور حينها، مع إلغاء ( قانون الخدمة المدنية رقم 64 لسنة 1939وتعديلاته، وقانون الخدمة التعليمية رقم21 لسنة1951، وقانون الخدمة الطبية رقم 48 لسنة 1947 وتعديلاته، وقانون الخدمة الهندسية رقم 2 لسنة 1952، وقانون الخدمة الخارجية رقم 41 لسنة 1940 وتعديلاته، وأي أحكام في قانون آخر تتعارض مع أحكام هذا القانون). ونتيجة لتلك المتغيرات وفي ضوئها، صدر قانون الخدمة المدنية رقم (24) لسنة 1960 النافذ لغاية الآن، بأضافة ( رئيس ديوان مجلس السيادة ورئيس جامعة بغداد، على أن يعتبر رئيس الوزراء بمثابة الوزير لهذه الدوائر، وكذلك وزير المعارف بالنسبة لجامعة بغداد في الأمور التي تستلزم إصدار مرسوم جمهوري). ويبدو أن المتغيرات التي فرضها نظام حكم الجمهورية الأولى. إنطلاقا من توجهات الحقد والكراهية والإنتقام التي أسسها لخراب ودمار العراق، لم تسعف المشرع حينها من غفلة عدم الأخذ بنظر الإعتبار إلغاء قانون إنتخاب النواب رقم (53) لسنة 1956، بموجب القانون رقم (67) في 16/4/1959- قانون إلغاء القوانين التي تتعارض مع الدستور المؤقت ؟!، مع عدم تشريع قانون بديل للإنتخابات طيلة فترة حكم الزعيم (الخالد)، صاحب الشعارات الرنانة في الحرية والديمقراطية وحقوق الشعب والمرأة فيه أولا وقبل كل شيء ؟!. ليحذف عبارة (رئيس مجلس الأعيان والنواب) من نص التعريف بالمقصود بمثابة الوزير، وكذلك الحال في أنظمة الحكم اللاحقة التي خلت من أية مجلس مشابه، كما لم تعتبر زيادة عدد دوائر الدولة وموظفيها، والتوسع في رسم خارطة إختصاصاتها ومهامها وواجباتها وآليات تنفيذها، من الأسباب الموجبة لإجراء تعديل القانون بما يتفق وواقع التطور الحاصل في حال الوظيفة والموظف، الذي كنا نمارس أداء آلياته عرفا إداريا وكما هو فيما إقترحناه في القسم الرابع. على أساس قاعدة التدرج الوظيفي المحدد ب ( مدير القسم– المدير العام– وكيل الوزارة – الوزير). ومن يحل محلهما في التشكيلات الإدارية الأخرى .
لقد علمتنا الممارسة الفعلية التطبيقية وجوب تبسيط الإجراءات وعدم التوسع المفرط بالتشريعات، بإزالة كل العقبات والمعوقات من طريق التقدم والتطور والإزدهار، وضمان الإنجاز بأقل جهد ووقت وكلفة. فعندما يكون ( و- رئيس الجهة غير المرتبطة بوزارة ) رئيسا أعلى، لا بد من بيان المركز القانوني لرئيس تلك الجهة في جدول الوظائف القيادية رقم (1) المرفق بالقانون المقترح، مثل البنك المركزي العراقي وديوان الرقابة المالية ومجلس الخدمة العامة ذو العلاقة المباشرة بتنفيذ قانون الخدمة المدنية، كما يتوجب تحديد إرتباط كل منها حسب طبيعة تخصصات أعماله، وليس كما تم ربطها بمجلس النواب بدلا من مجلس الوزراء. ولعل من المعلوم أن جميع دوائر الدولة مسؤولة أمام مجلس النواب حكما، ومن الغرابة أن يكون ذاك مقتصرا بالنص على البنك المركزي العراقي دستوريا، ذلك الإرتباط الذي يؤكد أن رؤساء تلك الجهات ليسوا من أعضاء أية سلطة، إنما هم موظفون وإن تم تعيين أي منهم أو غيرهم بدرجة وزير, لأن ذلك لا يعني ولا يعتبر أنهم وزراء بالصفة المطلقة من حيث الإمتيازات المادية أو المعنوية، إنما هم يتقاضون راتبا بمقدار راتب الوزير فقط، حسب مفهوم الدرجة التي تعني حدود الراتب، والنظام الداخلي لمجلس الوزراء رقم (83) لسنة 2019 يوضح العلاقة التنظيمية بين الأطراف المعنية، لأن رئيس مجلس الوزراء هو المسؤول التنفيذي المباشر عن السياسة العامة للدولة دستوريا. والمتمثلة بأعمال الوزارات أو الجهات غير المرتبطة بوزارة حسب إختصاص كل منها .
ز- رئيس الإقليم ,
لم يشهد العراق تشوها في رسم خارطة وحداته الإدارية مثلما حصل بعد الإحتلال ولحد الآن، حين يتكون النظام الإتحادي
في جمهورية العراق، من عاصمة وأقاليم ومحافظات لا مركزية وإدارات محلية. وحيث تمت صناعة الأقاليم سياسيا بمنح الحق لكل محافظة أو أكثر تكوين إقليم بناء على طلب وبالإستفتاء عليه، دون مراعاة الفوارق بين مقومات نشوء كل إقليم، وما سينتج عن ذلك من نشوء أقاليم متعددة ومختلفة الإمكانيات والقدرات، وحسب رغبة وأهواء الأحزاب والسياسيين غير المهنيين، لتبرز مشاكل الترضية والمحاباة بالتشريعات، ومنها أن يكون رئيس الإقليم ذو المنصب السياسي، رئيسا أعلى فيما يختص بموظفي الإقليم والدوائر المكونة لهيكل تشكيلاته الإدارية والفنية فيه، وهو ليس من الموظفين، لتتضح معالم الفوضى والتخبط الإداري المؤدي إلى التمرد والعصيان في التنفيذ المطلوب من قبل سلطات المركز الإتحادية. كما لم تتمتع المحافظات بالإدارة اللامركزية ولم تنظم أعمالها على أساس الإدارات المحلية، للتشوه التنظيمي الذي لحق بتفاصيل تكويناتها الإدارية، من جراء إختلاط المفاهيم والنصوص الدستورية والقانونية السياسية غير المتجانسة ولا الناضجة مهنيا، وغير المستوعبة لمتطلبات الحاجة المستوفية لشروط تأمين ديمومة نجاحها، بدليل تأسيس مجالس المحافظات ثم إلغائها، على الرغم من إرتفاع مستوى النظام الفدرالي على نظام الإدارة اللامركزية. بحيث يكون رئيسا أعلى (ح- المحافظ في المحافظة غير المنتظمة في إقليم فيما يتعلق بالموظفين المحليين في المحافظة )، ولا يكون كذلك عندما يكون محافظا لمحافظة منتظمة في إقليم، وهو أعلى موظف في المحافظة ؟!، خلافا لتعريف رئيس الدائرة الذي ينص عليه وعلى كل من وكيل الوزارة والمدير العام وأي موظف أخر يخول سلطة رئيس دائرة بقرار من مجلس الوزراء. تمهيدا ووصولا إلى صفة الرئيس الأعلى الموسوم بها كل من الوزير أو رئيس الدائرة أو من يخوله. وقانون الخدمة المدنية المقترح يبحث عن توحيد أحكام متعددة في قانون واحد جامع يسهل تطبيقه ؟!. ولكنه يصنف الموظفين إلى إتحاديين ومحليين، دون التحسب لمساوئ الشعور المخل بمكانة ومنزلة وصفة الموظف المختلفة وغير المتساوية عند التعيين وبعده ؟!.