ليس لأنه ابن الرضا (عليه السلام) الوحيد، الذي انتظره القريب والبعيد، بل لأنه ثمرة من الشجرة الطيبة المباركة ألتي جادت بكل ما تملك حتى وصلت الى بذل النفس من أجل تقويم الدين وتوجيه الخطى للطريق المستقيم، ولم تكن الدنيا قد اسرت مولانا علي بن موسى الرضا (عليه السلام) كمثل ذلك اليوم السعيد، إذ ترقبه بعد الرشد من السنين، وكان بوعد ربه شديد اليقين .
فأنار بولادته أحداق محبيه ومواليه، ورسمت على وجنة الدنيا ابتسامة عريضة، وضحك سن الدهر لتلك الهيبة الملكوتية، التي تنساب إلى أعماق القلب فتجمع شتات أركانه، حتى صار الفؤاد مشغوفا به، مولعا بشمائله.
إيه يا أبا جعفر، هكذا كناك أبوك الرؤوف، ومن فرط حبه صار ملازما لمهدك يغذيك، ويعلمك، يناغيك ويرويك .
وعيناه تراقبك وتفديك، وقد بلغت سبعا من السنين، وجاء وقت الرحيل والأنين، ففارقك على مضص، فمذ فارقت عيناه عينيك، لم يطب مجلسه إلا بذكراك، ثم لم يمهلوه أن يرتوي من محياك، فسهام غدرهم اصابت عرى الدين، وفصمت روحه عن روحك فأتاه اليقين .
لكن الورى اكتحلت بوجودك، بعد رمدها بفقد أبيك، واستأنست بانشداد عودك، وتفطر فؤادك من الفراق في صغرك، فواسيت جدك النبي في يتمك .
وقدك المياس كالسيف الممشوق بوجه عدوك، صار راية جمعت تحت ظلها أنصارك ومحبيك، وخيمة يلجؤون إليها ويستقون من ينابيع علمك المفتوق.
وكنت بلسماً لشيعتك، وناراً تحرق قلوب أعدائك.
فأصبحت يا قدوة الشباب، نبراساً يلوح في بطون الأفق.
فمن كان يدانيك؟
ومن يصل إلى مرافئ بحرك المترامي؟
عذبهم وجودك فلم يجدوا بدا إلا بإزهاق روحك .
اي حطب تحت مراجل حقدهم قد أوقدوا؟
أي هوج أعاصير وزمجرة سحب هددت حياتهم فارتعدوا؟
إيه يا ابا جعفر، حسدوك لغزارة علمك ولبهاء طلعتك، وللهب في بصيرتك ام لطهارة روحك وصفاء سريرتك؟
صفات كانت عصية عليهم، لقد قلعت باب حصون جهلهم .
فلن يتقبلوك وتشاوروا في جلسة غدر أن يقتلوك، وبسمهم يسقوك .
وانت للدين كالقلب من الجسد، وكما العين للحدقة .
فلم تعالج شأناً إلا أسبرت فيه غورا وسلطت عليه من نورك نورا.
وها هي المنية قد سددت في كبد قوسها سهماً أصابت قلب الإمامة، والليل أمام الفجر يرمي آخر ذيل من ذيول عتامه.
آه لأنفاسك التي تفور كالحمم كأنها في الكوة الضيقة، تتصعد جمراً فتكوي قلوبنا حزناً وكمدا .
وزهور عمرك قد آن قطافها، يا باب المراد فوسدوك خلف جدك اسد بغداد .
تشتكي إليه ظلامتك، فيواسيك بآثار قيد يديه فيمسح دمعة مهجتك .
يا أيها الإمام الذي أبوا إلا أن يوتروه،
يا ايها السر المستودع امضِ إلى سنا ربك .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الكافي: الجزء1/ ص321.
|