• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : لا تنظروا في عيوب الناس كالأرباب .
                          • الكاتب : عبد الناصر السهلاني .

لا تنظروا في عيوب الناس كالأرباب

النظر في عيوب الناس وهتك حرمة المؤمن وغيبته وبهتانه من أشد المحرمات التي نهى عنها الشارع المقدس، والروايات الشريفة في ذلك مستفيضة، فهو من الظلم الفاحش، الذي تأباه التربية الدينية التي ربى بها النبي وأهل بيته (صلوات الله تعالى وسلامه عليهم) أتباعهم.

والمؤمن سواء اكان سياسيا او خطيبا او رادودا او كاسبا او موظفاً او اي شيء آخر، وسواء  أكان عربياً او كردياً، ومهما كان بلده ايرانياً او تركياً او امريكياً، لا يفرق في حرمة هتكه وتشويه سمعته.

وما اسهل الامر عند بعض الناس ان يأكل لحم المؤمن لمجرد انه دخل في السياسة او انتخب فلاناً او لانه على المنبر ابدى رأياً معينا في موضوع من المواضيع، او لانه قرأ بيتاً من الشعر فيه اشكال، و… !!!

والموارد المستثناة في الغيبة لمصلحة اهم هي موارد قليلة قياسا للموارد الممنوع فيها من الغيبة فيجب توخي الحذر في هذه الموارد فان تسويلات النفس الأمارة تكون فعالة هنا في اختلاق الذرائع لإطلاق اللسان بما يشتهيه بلا ورع ولا تقوى، وكم جاء التحذير من آفة اللسان في الروايات الشريفة.

وتلك الموارد المستثناة والمذكورة في الرسالة العلمية للمجتهد الجامع للشرائط لا بد فيها من العلم واليقين في احراز مصاديقها، وليس متاحاً فيها التظني وترجيح الاحتمال، وذلك لعظم حرمة المؤمن عند الله تعالى، وخطورة هذا الامر في تماسك المجتمع الايماني.

فلا يعذر الانسان عند خالقه اذا اغتاب شخصا بحجة انه متجاهر بالفسق، او مبتدع في الدين، او مروج لباطل، او انه متهم من قبل كثير من الناس، وما شاكل من العناوين.

ثم بعد ذلك يكتشف ان ذلك الشخص لم يفعل ما نُسِبَ له او انه فعل ولم يكن متعمدا في فعله بل ارتكبه عن طريق الخطأ او الجهل القصوري، او كان لفعله وجه من الصحة خفي عن المغتاب. فالمؤمن القاصر مثلا لا يسمى فاسقاً.

فهل يقبل ذلك الانسان انه اذا وقع في ارتكاب الحرام خطأ بصورة غير متعمدة ان يُشَهَّر به على انه فاسق؟!

فليس من صفات المؤمن ان يتسرع في الحكم على الظنة والشبهة، بل من صفاته انه حتى مع العلم والتيقن يكون محتاطا ورعاً يحسب الف حساب قبل ان ينطق لسانه بكلمة فيها هتك لغيره وتشويه لسمعته، لئلا يقع في المحذور الذي قد ينال بسببه سخط الله عز وجل.

وفي هذا الصدد حديث مخيف واقعاً لمن ادركه وحسب حسابه فقد روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قوله: “كان بالمدينة أقوام لهم عيوب، فسكتوا عن عيوب الناس، فأسكت الله عن عيوبهم الناس، فماتوا ولا عيوب لهم عند الناس، وكان في المدينة أقوام لا عيوب لهم فتكلموا في عيوب الناس، فأظهر اللهم عيوبا، لم يزالوا يعرفون بها إلى أن ماتوا “(١).

وعنه ايضا (صلى الله عليه وآله): ” طوبى لمن منعه عيبه عن عيوب المؤمنين من إخوانه” (٢) .

وجاء عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في حديث معتبر السند: “المؤمن لا يغش أخاه ولا يخونه ولا يخذله ولا يتهمه، ولا يقول له: أنا منك برئ. اطلب لاخيك عذرا، فإن لم تجد له عذرا فالتمس له عذرا… لا تعاجلوا الامر قبل بلوغه فتندموا، ولا يطولن عليكم الأمد فتقسوا قلوبكم. ارحموا ضعفاءكم واطلبوا الرحمة من الله عز وجل بالرحمة لهم. إياكم وغيبة المسلم فان المسلم لا يغتاب أخاه وقد نهى عز وجل عن ذلك فقال: ” ولا يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا” (٣).

وجاء عن الصادق (عليه السلام) في وصيته لابن جندب: “يا ابن جندب ان عيسى بن مريم عليه السلام قال لأصحابه طوبى لمن جعل بصره في قلبه ولم يجعل بصره في عينه لا تنظروا في عيوب الناس كالأرباب وانظروا في عيوبكم كهيئة العبيد انما الناس رجلان مبتلى ومعافى فارحموا المبتلى وأحمدوا الله على العافية”.(٤)

والانكى ان بعض المؤمنين لا يكتفي بما وقع تحت نظره صدفة ليهتك به اخاه المؤمن بل يذهب ويفتش عن عيوبه، فهذا الصنف يخبرنا عنه الامام الصادق (عليه السلام) فيما روي عنه انه قال: “إذا رأيتم العبد متفقدا لذنوب الناس، ناسيا لذنوبه، فاعلموا أنه قد مُكِرَ به”(٥)

والحمد لله اولا وآخرا وصلى الله على محمد وآله أبدا.

 

_____ 
(١) (أمالي الطوسي: ص٤٤)
(٢) ( الكافي: ج٨، ص١٦٩)
(٣) (خصال الصدوق: ص٦٢٢)
(٤) (تحف العقول: ص٣٠٥)
(٥) (مستطرفات السرائر: ص٥٦٩)




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=173460
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2022 / 10 / 05
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 15