سأسمع نصيحة الناقد قاسم مشكور في مقدمته للمجموعة وأتوخى الحذر وأنا أدخل عالم الموجوعين كي لا أصاب بعدوى الوجع، وجدت نفسي أستطيع الولوج عبر محورين مهمين الأول هو محور دراسة لشخصيات الموجوعين أنفسهم
ركز الناقد مشكورًا على عدة مرتكزات منها تقصي الألم الإنساني، الأحداث بحس إنساني، القدرة في التعبير عن التفاصيل والهواجس، التكثيف والابتعاد عن الفائض من السرد ثم منحنا تشخيص نقدي مهم حين شخص ابطالها الموجوعين غير منكسرين، وهناك قراءة ثانية عل غلاف المجموعة لروائي كبير وقاص وناقد محترف هو الاستاذ علي حسين عبيد الذي ركز على امتلاك مجموعة شرفات لغة الانبهار والقدرة على جذب المتلقي وركز أيضا على الأجواء الغرائبية الساحرة، وشخص المجموعة كونها نجحت باختيار المواضيع من صلب الواقع الانساني، وحمل هموم الكادحين، ونرى أن محور الشخصية من أهم الأسس التي يقوم عليها الفن القصصي وشخصيات القاصة اشواق الدعمي تحمل خصائص نفسية متميزة، فكل شخصية لها صفاتها الخاصة وعوالمها، ميولها دوافعها سلوكها افكارها، وهذه الصفات الخاصة تصطدم بظرف معين يكشف أعماقها، في قصة (شجرة الرمان) نجد أن بيت فائزة يتعرض لسرقة هذا التأسيس الأول أما التأسيس الثاني مركز الشرطة وشجرة الرمان التي احالتنا (فلاش باك) استرجاع ذاكرة، أحداث تنبثق من أحداث، وشخصية فائزة ومعظم شخوص أشواق الدعمي صنعتهم الأحداث لكنها تستثمر ضمن إطارها النفسي إلى ركائز منها ما ينتج وعظا أخلاقيا يصاغ بعبارة سؤال :ـ كيف يتجرأ أحد على سرقة مال غيره؟ ولماذا سرقوا أوراقنا الثبوتية؟
نتأمل في الدلالة سرقة الهوية تعني سرقة الوجود،
القضية الثانية التي تثيرها فائزة أن مركز الشرطة ملجأ المظلومين يتحول إلى أداة ألم وجرح وماضي يذبح الأيام وذكرى أن يلد الإنسان وهو يحمل صورة شجرة مسجى بقربها أب بكل ما منح الوجود ولو نتأمل أكثر لوجدنا القضية الاجتماعية التي سعت الدعمي لتعريتها (أنت امرأة) ما دامت هي امرأة لا يحق لها البكاء ولا تستطيع أن تعبر عن مشاعرها أمام الناس، وأغرب ما في المعنى أن لا أحد تعاطف مع فائزة ليدرك قيمة الفقد حتى زوجها، وفي قصة (وردة في عيد ميلادها) شخصية غرائبية، امرأة تعود إلى بيتها وتفتح الباب ضمن مقتضى ترتيب العائلة المفتاح سر البيت والمفتاح بما يملك من قيمة يخبأ في التراب، ونقف على مرتكز مهم من مرتكزات السرد عند الكاتبة أشواق الدعمي استخدام عنصر المباغتة ،بعض تلك المباغتات تأتي عبر الصدفة وبعضها سلسة من ضمن عنصر التكوين، العائدة إلى بيتها امرأة فقدت الحياة قبل عشر سنوات، نجد أن المباغتة مصنوعة من أجل تغيير طاقة السرد الغرائبي، والتوسع فيه، وكونها تعرف أن المباغتة تحتاج الى تبرير، تلجأ إلى الاستفهام:ـ يا رب ما الذي يحصل لي؟، يلاحظ أن القاصة أشواق الدعمي لا تكثر من الشخصيات الثانوية، الشخصية الرئيسية هي التي تروي الحدث، وتطلق فوهة السؤال المذهل والذي صعد من وتيرة جذب المتلقي بكامل حيرته فهي تقول (يا ترى أ أذهب الى ذات المكان الذي جئت منه أم أشق طريقا أخر بمفردي؟) عودة الغائب من إحدى ثمرات البؤر النفسية التي تحتكم شخصيات الدعمي وتعطي المباغتة روحا لتكسر بها نمطية التوقع عند المتلقي، وفي قصة (القبر المفقود) العوالم المتغيرة تكسر توقع وتباغت وتزيد الامر حيرة: ـ هل تلك القصص تنتمي إلى الواقع، أم هي تتناول الواقع الحياتي من رؤية غير مألوفة؟ فنجد أن التدخل الخارجي هو الذي يغير ويباغت ويلعب بأحداث الداخل النصي المهم أي كان منهما المؤثرــ العالم الداخلي للنص أو العالم الخارجي الواقع فهو يعمل على زيادة التأثير بالمتلقي والتعالق مع ذاكرته، المباغتة تعني خلق التصورات المتغيرة، ورفض الكتابة ضمن الاشكال التعبيرية النمطية، فهي تقدم قراءة العالم الغيبي، عالم ما بعد الوجود ــ ما بعد الموت، هل غياب زوجها في المقبرة أثناء زيارة الموتى كان غيابا ذهنيا وهذه العوالم الغرائبية مجرد صورة في ذهنية الشخصية، لماذا اختارت صياغة الأحداث في أجواء مقبرة.
وكان ممكن أن تحدث في شارع في سوق، اختيار المقبرة لتهيئة أجواء الغياب المباغت ملاحظة وجود الصوت وغياب الصورة، وجود مخيلة أخرى تشترك في المشاهدة هو أخوها الذي كان بصحبة العائلة ووجود هذا الشريك يعمق لنا بؤر الخيال، نحن ندرك مسبقا أن مخ الإنسان أكبر من العالم يسعى ليرى ما خلف الواقع، وهذه النصوص لها أمكانية أن تقرأ بقراءات مختلفة حسب الرؤية والتجربة المعرفية ففي قصة (الخربة) نرى أن الشخصية مدار المعنى الانساني ومحور الأفكار، امرأة موظفة تميل لرؤية طفلة متسولة تسأل عن غيابها تقودنا المأساة الإنسانية الى مكون بغيض اغتصاب طفلة وقتلها والعصب الثاني الذي يشد المسار السردي، هو التهيؤ الذهني لهذه الموظفة التي فقدت طفلتها عند الولادة
بجريمة سرقتها من المستشفى وبعمر المتسولة، جسمت الفكرة عبر مساريين المتسولة المسكينة التي تعرضت للاغتصاب والقتل، والموظفة الام الثكلى بمشهدين، تتعالق الصورتين في ذهنها لتسأل:ـ ماذا لو كانت هي؟
يصبح الناتج لدينا حدث وظل حدث، لو تأملنا في قصة (عندما تبكي القلوب) سنجد أن البعد النفسي في قصص الدعمي تجسد سلوك الشخصيات المثيرة لاكتشاف دواخلها عبر المضامين الوجدانية لإبراز معاناتها، مع امتلاكها القدرة لرسم دلالات الأثر النفسي (سامر) راقد في مصحة عقلية، يستطيع الراوي أن يتوصل الى نقاط تماس مع مشاعره عبر الاستقصاء، استقصاء المعلومات عنه في محلته ثم الاستفزاز، ليكتشف أن سامر ليس مريضا لكنه شاب مصدوم بالعاطفة، وفي قصة (وصية بطعم رغيف الخبز) تظهر الكاتبة الأثر النفسي بقوة الشخصية (للفقراء لغة لا يفهمها غيرهم) ومواجهة الفقر ببسالة يتطلب أن يتحصن الفقراء بسلاح عفتهم ، فان أسقطوها سقط معها كل شيء.
فدمتِ لنا القاصة المبدعة أشواق الدعمي، مجموعة قصصية مثيرة
|