• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : قضية رأي عام .
              • القسم الفرعي : قضية راي عام .
                    • الموضوع : نداءٌ يوم القيامة: أين زوار الحسين؟!   سماحة المرجع الديني الشيخ الوحيد الخراساني حفظه الله تعالى .

نداءٌ يوم القيامة: أين زوار الحسين؟!   سماحة المرجع الديني الشيخ الوحيد الخراساني حفظه الله تعالى

 بسم الله الرحمن الرحيم
 
اقتربت العشرة الأخيرة من صفر، مع قدوم الأربعين، وقد قال الإمام الصادق عليه السلام: رَحِمَ الله مَنْ أَحْيَا أَمْرَنَا. وفي هذه الجملة القصيرة تفصيلٌ:
 
أولاً: ممّن صدر الدعاء؟ لقد صدر ممن كانت إرادته متصلة بالإرادة التي ﴿إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾، ممّن كان قلبُه وعاءُ مشيئة الله تعالى.
 
ثانياً: ما الذي طلبه الإمام؟ لقد طلب رحمة الله تعالى لـ(مَنْ أَحْيَا أَمْرَنَا)، وقد نصّ القرآن على أن ﴿وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ﴾.
 
هذا الشهر وهذه الأيام، هي أيامُ إحياء أمرهم، وينبغي القيام بفعلٍ يكون مطابقاً للقرآن الكريم، فليكن المحور والقطب هو كلام الله تعالى، فقِسمٌ للتفقه وقسمٌ للإنذار، والسعيد هو من يوفق في هذه الأيام لِيُعَرِّف قلباً بالله تعالى، ويَصِلَ روحاً بالأئمة المعصومين عليهم السلام، فيصدق عليه: رَحِمَ الله مَنْ أَحْيَا أَمْرَنَا.
 
الأمر الذي ينبغي إحياؤه هو معرفة الإمام، الحكمة الكبرى هي معرفته بقدر الميسور، فإن سيد الشهداء ليس قابلاً للإدراك من أيِّ أحد، وليس قابلاً للوصف، لا هو عليه السلام ولا عمله.
 
مع التأمل في الروايات بدرايةٍ يتضح حينها الأثر العظيم، وههنا مطلبان راجعان إليه عليه السلام: أحدهما زيارته، وثانيهما إقامة العزاء عليه.
 
وكلمات أهل بيت العصمة محيّرة للعقول، وهذه الروايات في كمال الاعتبار، فلا تحتاج إلى سند، والإعجاز ههنا، إذ متى قال الإمام الصادق عليه السلام هذه الجملة؟ قالها عندما كان باب الحرم مغلقاً خوفاً من حكومة آل مروان، مع قلّة الزوار، هذا إن تمكن أحدٌ من الوصول للحرم أحياناً، وهذا البيان معجزة عظمى، ويحكي كيف كان يرى عليه السلام، قال: إِذَا كَانَ يَوْمُ القِيَامَةِ نَادَى مُنَادٍ: أَيْنَ زُوَّارُ الحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ؟
 
فَيَقُومُ عُنُقٌ مِنَ النَّاسِ لَا يُحْصِيهِمْ إِلَّا الله تَعَالَى: انظروا اليوم، إلى هذا الاعجاز.. ثم ما يحيّر عقَل كلّ حكيم، وفِكرَ كلّ فقيه أنّه من هنا وما بعد ذلك، فإنّ الله تعالى يتكلّم مع زوار قبره عليه السلام!
 
فَيَقُولُ لَهُمْ: مَا أَرَدْتُمْ بِزِيَارَةِ قَبْرِ الحُسَيْنِ عليه السلام: أي ما كان قصدكم من الزيارة؟
 
فَيَقُولُونَ: يَا رَبِّ أَتَيْنَاهُ حُبّاً لِرَسُولِ الله وَحُبّاً لِعَلِيٍّ وَفَاطِمَةَ، وَرَحْمَةً لَهُ مِمَّا ارْتُكِبَ مِنْهُ: بهذا الحبّ تحرّكت بنا أقدامنا.
 
فَيُقَالُ لَهُمْ: هَذَا مُحَمَّدٌ وَعَلِيٌّ وَفَاطِمَةُ وَالحَسَنُ وَالحُسَيْنُ، فَالحَقُوا بِهِمْ فَأَنْتُمْ مَعَهُمْ فِي دَرَجَتِهِمْ.. ببركة مَن هذا المقام؟
 
عَنْ عَبْدِ الله بْنِ زُرَارَةَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ الله عليه السلام يَقُولُ: إِنَّ لِزُوَّارِ الحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ عليه السلام يَوْمَ القِيَامَةِ فَضْلًا عَلَى النَّاسِ. قُلْتُ: وَمَا فَضْلُهُمْ؟
 
قَالَ: يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ قَبْلَ النَّاسِ بِأَرْبَعِينَ عَاماً، ‌وَسَائِرُ النَّاسِ فِي الحِسَابِ وَالمَوْقِفِ‌.
من أين جاءت كل هذه المقامات؟
 
ثم ما يحير العقل هو قوله عليه السلام: مَنْ أَتَى قَبْرَ الحُسَيْنِ عليه السلام مَاشِياً كَتَبَ الله لَهُ بِكُلِّ خُطْوَةٍ وَبِكُلِّ قَدَمٍ يَرْفَعُهَا وَيَضَعُهَا عِتْقَ رَقَبَةٍ مِنْ وُلْدِ إِسْمَاعِيلَ.
 
فكم لزواره بمسيرهم وحركة أقدامهم من تحرير رقابٍ من ولد إسماعيل؟ هذا في زيارته، أما البكاء عليه، فإن الأفضل أن يُتلى متن الحديث، وراويه أبو بصير ليث بن البختري المرادي، فمن هو؟
 
عن أبي عبد الله عليه السلام: بَشِّرِ المُخْبِتِينَ بالجنّة، بُرَيْدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ العِجْلِيُّ، وَأَبُو بَصِيرٍ لَيْثُ بْنُ البَخْتَرِيِّ المُرَادِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ، وَزُرَارَة، فالمخبتون أربعة أشخاص، أركانٌ أربعة أحدهم أبو بصير.
 
يقول: كُنْتُ عِنْدَ أَبِي عَبْدِ الله عليه السلام أُحَدِّثُهُ فَدَخَلَ عَلَيْهِ ابْنُهُ فَقَالَ لَهُ: مَرْحَباً، وَضَمَّهُ وَقَبَّلَهُ وَقَالَ: حَقَّرَ الله مَنْ حَقَّرَكُمْ، وَانْتَقَمَ مِمَّنْ وَتَرَكُمْ، وَخَذَلَ الله مَنْ خَذَلَكُمْ، وَلَعَنَ الله مَنْ قَتَلَكُمْ، وَكَانَ الله لَكُمْ وَلِيّاً وَحَافِظاً وَنَاصِراً، فَقَدْ طَالَ بُكَاءُ النِّسَاءِ وَبُكَاءُ الأَنْبِيَاءِ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَمَلَائِكَةِ السَّمَاءِ، ثُمَّ بَكَى، وَقَالَ: يَا أَبَا بَصِيرٍ، إِذَا نَظَرْتُ إِلَى وُلْدِ الحُسَيْنِ أَتَانِي مَا لَا أَمْلِكُهُ بِمَا أَتى إِلَى أَبِيهِمْ وَإِلَيْهِمْ.
 
هؤلاء الجهال الذين يتحدّثون بنغمة أنّ هذا العزاء وصل لحدّ الإفراط، المصيبة أنهم في منتهى الجهل!
 
اغتنموا هذا وصيروا فقهاء وعلماء كي تتمكنوا من إحقاق حق أهل البيت، ثم قال الإمام عليه السلام:
فَقَدْ طَالَ بُكَاءُ النِّسَاءِ وَبُكَاءُ الأَنْبِيَاءِ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَمَلَائِكَةِ السَّمَاءِ: إن بكاء الأنبياء من موسى بن عمران وإبراهيم الخليل وغيرهم عليهم السلام، والشهداء والصديقين جميعاً قد طال ليبقى مستمراً على ذلك الرأس المقطوع..
 
متن الحديث: ثُمَّ بَكَى، وَقَالَ: يَا أَبَا بَصِيرٍ، إِذَا نَظَرْتُ إِلَى وُلْدِ الحُسَيْنِ أَتَانِي مَا لَا أَمْلِكُهُ بِمَا أَتَى إِلَى أَبِيهِمْ وَإِلَيْهِمْ.
 
يَا أَبَا بَصِيرٍ، إِنَّ فَاطِمَةَ عليها السلام لَتَبْكِيهِ وَتَشْهَقُ، فَتَزْفِرُ جَهَنَّمُ زَفْرَةً لَوْ لَا أَنَّ الخَزَنَةَ يَسْمَعُونَ بُكَاءَهَا وَقَدِ اسْتَعَدُّوا لِذَلِكَ: ويتضح من هذه الرواية أن السيدة الزهراء عليها السلام لم تفعل ذلك مرّة أو مرتين، بل كانت دائماً ما تفعل ذلك، وأنّ جهنم تزفر لشهقتها ويستعد الخزنة لعلمهم بذلك، وكلما ارتفع صوتها عليها السلام يغلقون أبواب جهنم:
 
مَخَافَةَ أَنْ يَخْرُجَ مِنْهَا عُنُقٌ أَوْ يَشْرُدَ دُخَانُهَا فَيُحْرِقَ أَهْلَ الأَرْضِ فَيَحْفَظُونَهَا (فَيَكْبَحُونَهَا) مَا دَامَتْ بَاكِيَةً وَيَزْجُرُونَهَا: لئلا تخرج شعلةٌ أو دخان من النار فيهلك أهل الأرض، هذا الأثر في جهنم.
 
وَيُوثِقُونَ مِنْ أَبْوَابِهَا مَخَافَةً عَلَى أَهْلِ الأَرْضِ، فَلَا تَسْكُنُ حَتَّى يَسْكُنَ صَوْتُ فَاطِمَةَ الزَّهْرَاءَ.. والحديث طويلٌ لا يكفيه الوقت فنعرض لقسم منه فقط:
 
فَلَا تَزَالُ المَلَائِكَةُ مُشْفِقِينَ يَبْكُونَهُ لِبُكَائِهَا وَيَدْعُونَ الله وَيَتَضَرَّعُونَ إِلَيْهِ، وَيَتَضَرَّعُ أَهْلُ العَرْشِ وَمَنْ حَوْلَهُ، وَتَرْتَفِعُ أَصْوَاتٌ مِنَ المَلَائِكَةِ بِالتَّقْدِيسِ لله مَخَافَةً عَلَى أَهْلِ الأَرْضِ: هذا هو عزاء ذلك الرأس المقطوع، هذه هي مصيبة ذلك البدن المقطع، كلُّ حملة العرش يبكون، لأنّ صوت أمه الزهراء ارتفع، فاعرِفُوا الإمام الحسين وعرّفوه للناس.
 
وَلَوْ أَنَّ صَوْتاً مِنْ أَصْوَاتِهِمْ يَصِلُ إِلَى الأَرْضِ لَصَعِقَ أَهْلُ الأَرْضِ، وَتَقَطَّعَتِ الجِبَالُ وَزُلْزِلَتِ الأَرْضُ بِأَهْلِهَا.
قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، إِنَّ هَذَا الأَمْرَ عَظِيمٌ.
قَالَ: غَيْرُهُ أَعْظَمُ مِنْهُ، مَا لَمْ تَسْمَعْهُ.
 
ما معنى هذه الجملة؟ معناها أنا حتى الآن لم نعرض حقيقة المصيبة، ما قلناه هو هذا لكن ما احتفظنا به أعظم من هذا. ثم قال هذه الجملة التي تحرق القلب:
 
ثُمَّ قَالَ لِي: يَا أَبَا بَصِيرٍ أَمَا تُحِبُّ أَنْ تَكُونَ فِيمَنْ يُسْعِدُ فَاطِمَةَ عليها السلام؟
فَبَكَيْتُ حِينَ قَالَهَا فَمَا قَدَرْتُ عَلَى المَنْطِقِ، وَمَا قَدَرَ عَلَى كَلَامِي مِنَ البُكَاءِ..
 
أيتها الهيئات، هذا هو العزاء، نخشى أن تصبح الهيئات والمواكب ألعوبةً بيد السياسات، نخشى من خيانة دمه عليه السلام، وخيانة بكاء والدته عليها السلام.
 
وَبَذَلَ مُهْجَتَهُ فِيكَ: فينبغي أن يكون البذلُ لله فقط ليس إلا، ﴿يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ المُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً﴾.
قال لأبي بصير: ألا تريد أن تساعد أمي فاطمة في العزاء؟
 
ثُمَّ قَامَ إِلَى المُصَلَّى يَدْعُو، فَخَرَجْتُ مِنْ عِنْدِهِ عَلَى تِلْكَ الحَالِ، فَمَا انْتَفَعْتُ بِطَعَامٍ وَمَا جَاءَنِي النَّوْمُ وَأَصْبَحْتُ صَائِماً وَجِلًا حَتَّى أَتَيْتُهُ، فَلَمَّا رَأَيْتُهُ قَدْ سَكَنَ سَكَنْتُ وَحَمِدْتُ الله حَيْثُ لَمْ تَنْزِلْ بِي عُقُوبَةٌ‌.
 
أبو بصير فهم ما الأمر.. والباقي غير قابل للبيان.
 
من كتاب (أنوار الإمامة) ص381.


 




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=172725
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2022 / 09 / 16
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 15