نعمة الخوف من الله تعالى:
يحاول الانسان أن ينصب نفسه قيّماً على تصرفات الآخرين، دون أن يضع في حساباته العدل والانصاف في تقييمه، وخاصة عندما يصدر التقييم على شكل آراء هدامة، متطاولاً على الكثير من الحقائق والاعتبارات، وإذا به يسرف في قذف الناس دون احتياجه لدليل، فهو في احكامه كأنه غير مطالب ببرهان، بل يجتهد من أجل التنكيل، والتطاول بلا حق على الأحياء وأهل القبور، الأبرياء وغير الأبرياء.
تنطلق من ذلك العبث الماجن الكثير من النعوت التي اغلبها بعيد عن الصحة والحقيقة كبعد السماء عن الارض، وينال بلباقته اهتمام الآخرين، اراء غير ناضجة، يتحدث احد الشيوخ عن دلائل الفطرة عند الناس: الفطرة التي تتنامى على الخير وترفض مثل تلك التي تخلو من مخافة الله سبحانه تعالى،.
لو نريد أن نمتثل لذكر بعض الوقائع التاريخية المؤذية ونسأل مثلاً: كيف استطاع المسلمون أن يسمعوا من منابرهم من يشتم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، وبالمقابل كيف جعل الاعلام الاموي من يزيد (لعنه الله) ذخراً اسلامياً، ألبسوه ثوب التقى، وهو قاتل الحسين (عليه السلام)، وحارق استار الكعبة، دون ان يحسبوا لمخافة الله حسابا..؟
على الانسان ان ينتبه كي لا يقع في نفس المطب وان يجعل مخافة الله بين عينيه عندما يطلق أي كلمة بحق انسان، هناك سرائر لا يدركها إلا الله سبحانه تعالى وهو الذي يقول: (مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) {ق/18}، وهذا يعني ان يضع الانسان امام عينيه أي لفظة يطلقها مخافة الله سبحانه تعالى.
الاطمئنان:
كل من يمتلك شخصية قادرة على أن تميزه بقوة محبته مع الناس، واندماجه معهم بطيبة المعشر، وحلو السلام، واستقبالهم بهذه البشاشة الروحية الأريحية أمر مهم يخلق تأثيراً عالياً، وامتلاك الشخصية الجاذبة لم يأتِ عن طريق الصدفة، وانما هو إلهام إلهي يجذب القلوب الى معروفها، ويزينها بما امتلكت من عوامل جذب واحترام الآخرين وزاد محبتهم بما عندهم من جمال روحي، يعرف كيف يتعامل مع الآخرين الذين لهم معاملات ومصالح، يقتص من وقته ويشيع عليهم بابتسامته ويرحب بهم بأسلوب هادئ يخلق الرضا في قلوبهم ونفسياتهم.
الانسان صاحب الشخصية الجاذبة يتقن فن التواصل مع الآخرين، ويعرف كيف يحتويهم وهو بنفسه يحاول الابتعاد عن العزلة عنهم لأي سبب كان، وبعض هؤلاء الناس لا يخلون من التعب والأذى والإلحاح في الطلب، فيتصف بالصبر، وتحمل الأذى خير من الذين يعتزلون العالم ويضيعون جوانب كثيرة قد تكون محصناً لهم من أجل خلق الألفة المفرحة مع الناس؛ لتكون سبب سعادتهم.
ومن المعروف أن علاقة الانسان بالمجتمع تفتح آفاقاً للمستقبل الإنساني، لا شيء يصنع تلك الساحرية الجذابة إلا الانسان بشخصيته الفاعلة، الرجل الملهم الذي يأخذ نواصي القلوب، تكون لديهم حصانة نفسية تبعدهم من الإحساس بالضعف يوماً أو الخوف على المكانة والمنصب.
نرى أن قوة الشخصية تخلق الاطمئنان وهذا الاطمئنان هو وليد ايمان بالله سبحانه وتعالى، وتمسكاً برسالته كمسلم واثق من ربه، وله حسن ظن بخالقه، وهذا الأمور تسهل فرض الشخصية الاجتماعية بما تحفل من رقي الكلام واللفظ الجميل والتفاهم مع جميع الأساليب بما لديها من ثقافة، وهذا التفاهم بلاشك يحتاج الى أسلوب اقناعي ستترك له انطباعات تصل به لسمات الذكاء وقراءة انطباعات الناس عنه بالشكل السليم، والشجاعة لمواجهة جميع المواقف، وهذه هي أمور الرجل المثقف المؤمن الذي يتحلى بأخلاق الإسلام المبين.
المأتم:
أخبرته مديرة الدار، أن الدار تتكفل مصاريف الغسل والدفن، وستقيم لها مأتماً كبيراً في الدار يحضرها ناسها ومن عاشرها بالمعروف منذ ثلاث سنوات، وهي لا اعتقد تحتاج الى احد بعد اليوم، تركت دعوات خير لك ولعائلتك، وتقول: عسى الله يغفر لكم ما فعلتم معي، حاول أن يقول لها شيئاً، أن يدافع عن نفسه امام هذا الزخم الهائل من الحزن، لكنها تركته وانصرفت تكفكف دموعها، نظر لوجوه نساء الدار، فرأى النقمة والغضب، وهن يبكين صاحبتهن التي رحلت عنهم غريبة مظلومة.
توقف عند الجنازة يبكي ويقول لهن: انها أمي، قالت احداهن:ـ اين كنت عنها ثلاث سنوات وهي تحلم ان ترى وحيدها اين كنت؟ قالت الأخرى ساخرة: أوامر الزوجة لا تسمح، امرأة كبيرة الست تقدمت بعربتها، وهي تقول: يا ولدي لا تحرج نفسك، فنحن من سيقيم مراسيم الدفن والعزاء سنقيم لها مأتماً لله تعالى يليق بها، سأخبرك بمعلومة ربما تنفعك في حياتك، أمك امرأة صالحة ومحبة للخير، وكان قلبها كبيراً يسع العالم كله.
يا بني، لقد حدثتني عنك كثيراً، حين توفى ابوك، كنت صغيراً جداً، رفضت الزواج لتتفرغ لرعايتك عملت بالخياطة ليل نهار كي لا تجوع، تتعب من أجل أن ترتاح انت، الى ان اكتمل حلمها بتخرجك، وأخذت تبحث عن ابنة الحلال لتسعدك، وإذا بها تطرد امك من الدار وأنت ترى، واليوم جئت لتأخذها بيدك الى مثواها لتتيقن من موتها بنفسك لتهيل عليها تراب النسيان بيديك.
أعرف انك ستقيم لها مأتماً كبيراً يليق بمكانتك الاجتماعية التي لم تحسب لها حساب وأمك في دار العجزة، خائب أنت يا ولدي، ستصرف الملايين على المأتم وأمك كانت أحوج اليك.
أمك ماتت وهي تحلم أن تراك، المهم يبدو أن الكلام لا ينفع، فأنت منكسر نفسياً، أتمنى لك التوفيق، كانت أمك أعز الناس عندي، أنت يا ولدي ولد عاق، فان لم تنفعها في حياتها فاسعَ لرعايتها في آخرتك، لابد لشبابنا اليوم أن يعي معنى احترام الوالدة؛ كي لا يقع في غضب الله تعالى ومذلة اللوم والندم.
اليقظة:
قاد الشباب العربي وخاصة في بلدان المعنية بشأن التكفير وإلغاء الآخر انتفاضة فكرية كبيرة ضد كل الاعلام المنحرف الذي يريد أن يلعب بأذهان الشباب، فيخلقوا مميزات إصلاحية وفكرية لأحزابهم الدنيئة، تجمع الشباب ضد كل تشويه لمعنى الإسلام المحمدي الحقيقي تتوقد فيهم حرقة الدين، فرفعوا لافتات تقول: (شياطين أولئك الذين يقتلون إخوانهم بحجة السعي الى الجنة)، يقظة قكرية تطالب الشباب العربي المسلم بالوعي، فالأمر لا يختص بطائفة او مذهب معين، المغرر بهم أصحاب العقول الفارغة، الذين لا يسرقون تمرة، لكنهم يسفكون دم الانسان بحجة التكفير، يتقنون دور الإسلام المستقيم، ويمارسون اعمالاً إرهابية تشوه الإسلام والمسلمين، انتفاضة الشباب الفكرية تطالب الأهالي بأن يعلموا أولادهم جوهر الدين الإسلامي؛ كي لا يتأثروا بالشخصيات المزيفة من ذوي العقول الفارغة.
لافتات يرفعها الشباب الثائر ضد عنجهية التكفير، أحد الشباب واجه تكفيرياً إرهابياً ليقول له:ـ كيف تسمح لنفسك قتل أخيك وتفجير اتباعك في بيوت الله، تقتلون المسلمين وهم اخوة، ألا تقشعر أبدانكم، شابة طالبت الاعلام ان يرفع كلمة الشهيد عن الانتحاريين؛ كونهم شياطين وليسوا شهداء، الدين ليس اطلاق لحية وقصر ثوب، الوهابية من غرروا بشبابنا، شيوخ ومشايخ لا يعرفون من الدين سوى القتل، والذبح ونشر الرعب والخوف بين صفوف الناس.
اليوم انطلقت اشاعات كثيرة لتزرع الخوف في قلوب أبنائنا، لابد من التصدي لهذه الحملات الكبيرة بالإيمان وبالثقة بالنفس ورد هذه الاشاعات بوعي المتيقن الذي يؤمن برسالة السماء، وبإرادة الله سبحانه وتعالى وبهمة شبابنا بالدفاع عن الدين والوطن والإنسان.
|