مرت الذكرى الـ 32 لـ الحصار الاقتصادي على العراق بعد غزو دولة الكويت بصمت والذي شل جميع مجالات الحياة العامة وكان سببا رئيسا لما وألت إليه حال البلاد والعباد فيما يؤكد خبراء اقتصاديون أن مرحلة التعافي بدأت وخطوات النهوض تسير بثبات.
ويقول المستشار المالي لرئيس مجلس الوزراء مظهر محمد صالح ، إن “غالبية قرارات مجلس الأمن الدولي التابع لمنظمة الأمم المتحدة وذات الصلة بحرب الكويت قد أزيلت حقا، وبشكل خاص ملف التعويضات الذي كانت تتابعه لجنة الأمم المتحدة للتعويضات (يو.أن.سي.سي) في جنيف، حيث اعتمد مجلس الأمن قرار 2621 في شباط 2022 بالإجماع والذي أعلن بموجبه انتهاء ولاية لجنة الأمم المتحدة الخاصة بالتعويضات عن الأضرار الناجمة عن غزو العراق للكويت في عام 1990، بعد وفاء حكومة العراق بالتزاماتها الدولية بالتعويض عن الخسائر والأضرار التي تم تكبدها كنتيجة مباشرة للغزو غير المشروع للكويت، كما ورد في نص القرار آنفا”.
ويبين صالح أن “اللجنة تأسست في أيار مايو 1991 بموجب القرار رقم 692 الصادر عن مجلس الأمن الدولي، وكانت مسؤولة عن إدارة التعويضات المالية المستحقة على العراق والتي كانت تستقطع 5 بالمئة من عائداته من مبيعات النفط والمنتجات البترولية والغاز الطبيعي”.
وكان آخرها كما ذكرنا قرار مجلس الأمن بخصوص غلق ملف تعويضات حرب الكويت الصادر في 22 شباط 2022 والتي كلفت الاقتصاد العراقي نحو 4.52 مليار دولار دفعت من صادرات نفط العراق وعلى وفق آلية استقطاع نظمها قرار مجلس الأمن رقم 1483 في أيار 2003، فضلا عن الاستقطاعات التي سبقت القرار والتي نظمتها مذكرة التفاهم الموقعة مع الأمم المتحدة في تسعينيات القرن الماضي والمسماة النفط مقابل الغذاء.
ويوضح صالح أن “القرار 2621 في شباط فبراير الماضي لمجلس الأمن الدولي الخاص بإنهاء ملف التعويضات تضمن عبارات مهمة مثل (تقرر إنهاء تفويض اللجنة) ويعتبر أنها (أنجزت مهمتها)، كما أضاف القرار أن مجلس الأمن (يؤكد أن الحكومة العراقية لم تعد مطالبة بأن تدفع للصندوق) الذي تديره اللجنة (نسبة من عائدات مبيعات صادراتها من النفط والمنتجات البترولية والغاز الطبيعي)”.
لافتا إلى أنه “بحسب القرار الذي صاغته المملكة المتحدة، فإن مجلس الأمن (يؤكد أن عملية تقديم مطالبات للجنة اكتملت الآن وبصورة نهائية، وأنه لن يتم تقديم أي مطالبات أخرى إلى اللجنة)”.
ويتابع “لا ننسى أن القرارات 1956 و1957 و1958 في كانون الأول 2010 قد رفعت العراق من مسألة حظره لامتلاكه أسلحة دمار شامل وغيرها”.
مشيرا إلى أنه “مما تقدم، يفترض أن العراق خرج من مطالب الفصل السابع تماما، والذي فرض عليه بسبب حرب العام 1990 وتسوية بقية خلافاته مع جيرانه إن وجدت بالطرق الودية وعلى وفق أحكام الفصل السادس من ميثاق الأمم المتحدة، وهذا ما نتوقعه في قادم الأيام من مجهودات ستظهرها الدبلوماسية العراقية بشكل واضح وجلي”.
وكان الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش، أصدر أمره في 17 آب أغسطس 1990، للسفن الحربية الأمريكية بوضع العقوبات التجارية التي فرضتها الأمم المتحدة على العراق بعد غزوه للكويت موضع التنفيذ فورا مستخدمة القوة إذا لزم الأمر لمنع السلع من الدخول والخروج.
وكان مجلس الأمن الدولي، أصدر القرار رقم 661 في السادس من آب أغسطس 1990 بفرض عقوبات اقتصادية على العراق، لإرغامه على سحب قواته من الكويت.
وأدى الحصار إلى شل جميع مجالات الحياة العامة الصحية والبيئية والاجتماعية والتربوية والعلمية والاقتصادية، وقد بلغ حجم التضخم في نهاية عام 1994 معدل 24000 بالمئة.
وكان مجلس الأمن الدولي، عقد في شباط يناير الماضي، جلسة خاصة بملف إنهاء التعويضات العراقية للكويت، واعتمد بالإجماع قرار بريطانيا الذي أكد فيه أن العراق أوفى بكامل التزاماته الدولية بشأن تعويضات للأفراد والشركات والحكومات عن الأضرار التي سببها خلال اجتياحه الكويت عام 1990.
وقد قضت البنود الأصلية للحصار الاقتصادي، بتحريم كل أنواع المعاملات التجارية مع العراق وتجميد أمواله في الخارج، ونظريا استثني الغذاء والمواد الطبية، لكن من دون عوائد التصدير، ولم يستطع العراق دفع فاتورة الاستيراد بالنتيجة.
إلى ذلك، يشير الباحث السياسي خالد عبد الإله، إلى أن “إقدام النظام السياسي السابق على اجتياح الجارة الكويت في آب 1990 جعل العراق تحت أنظار مجلس الأمن، بمعنى أن العراق أصبح يهدد الأمن والسلم الدولي”.
ويلفت عبد الإله إلى أن “رفض النظام الدكتاتوري الاستبدادي الانسحاب من الكويت في حينها، دفع مجلس الأمن إلى اتخاذ جملة من القرارات أقساها ما يتعلق بعزل العراق سياسيا وفرض الحصار الاقتصادي على العراق الذي تأثر به الشعب وأصبح الأمر معضلة كبيرة للشعب على جميع المستويات من غذاء وصحة وتربية وتعليم وكل ما يتعلق بالداخل العراقي”.
ويضيف أن “العقوبات الدولية عقدت المشهد العراقي وأثرت على المواطن بالدرجة الأولى، فقد كان عشرات من العراقيين والأطفال والشيوخ يدورون في دوامة من الفقر وعدم الحصول على العلاج المناسب، ما دفع بالناس إلى الهجرة، وظهرت بوادر سيئة في المجتمع العراقي بسبب العقوبات الاقتصادية“.
وفقا لليونيسف، فإن أكثر المناطق تأثرا في العراق بالحصار الإقتصادي هي المنطقة الجنوبية والوسطى، حيث يقطنها 85 بالمئة من مجموع السكان آنذاك، إذ أن معدل وفيات الأطفال دون سن الخامسة زاد عن الضعف، حيث قفز من 56 حالة وفاة لكل ألف مولود خلال الفترة من 1984-1989 إلى 131 حالة وفاة في الفترة من 1994-1999.
وفي عام 2003، نشر الباحثان العراقي طارق يوسف إسماعيل والأمريكي ويليام حداد كتابهما “العراق.. الضريبة البشرية للتاريخ”، والذي تناولا فيه الحصار الدولي، وطرحا فيه أسئلة منها حول الدوافع الحقيقية للقوى المعنية، ولاسيما الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، وراء الإصرار على إدامة عقوبات أضرت بالشعب أكثر مما أفادت في تغيير سلوك النظام العراقي.
موضحين أنه لو جرى تطبيق العقوبات بعناية ووفق غاياتها المنصوص عليها، لكان من الممكن أن تنجح، لكن الحقيقة أن التحالف الدولي دمر، بواسطة حملة القصف المكثّفة عام 1991، البنية التحتية الاجتماعية في العراق، ما جعل البلد بحاجة إلى العديد من المواد الأساسية لإعادة إعماره، والتي حرمته منها العقوبات.
من جهته، يفيد الباحث الاجتماعي محمد فخري المولى ، بأن “أيام الحصار أفرزت طبقة من التجار كانوا يعرفون بتجار السوق السوداء، وهم ليسوا تجارا أصلاء، وقد جمعوا ثروات هائلة على حساب الشعب العراقي المعدم الرازح تحت وطأة الحصار، كما تسبب الفقر والجوع والحرمان بمشكلات اجتماعية كثيرة ما زلنا نعانيها حتى اليوم”.
ويضيف المولى أن “سنوات الحصار الست كانت قاسية جدا قبل إقرار برنامج النفط مقابل الغذاء والدواء وتخصيص حصة تموينية لكل عائلة ساهمت قليلا في تخفيف وطأة الحصار”.
لافتا إلى أن “ما ينقصنا في الوقت الحالي هو الاستفادة من دروس وعبر الحصار ووضع خطط استراتيجية تقلل نسبة الفقر في العراق التي ما زالت مرتفعة، إذ أن هذه النسبة يجب أن لا تتجاوز 5 بالمئة في أسوأ الحالات”.
وبعد عام 2003، شهد العراق نقلة نوعية بكافة المجالات، وخاصة العلاقات الخارجية، حيث حقق البلد تقدما كبيرا بهذا الملف، وعلى مستوى الدول المجاورة أو الغربية.
كما شهد اقتصاده تعافيا ملحوظا، خاصة بعد عودة تصدير النفط بشكل طبيعي، وهو ما عاد بالإيجاب على الدولة، ولاسيما أن الموازنات كانت أقيامها كبيرة جدا ووصفت بأنها “انفجارية”، وذلك في زمن الحكومات الأولى بعد 2003.
لكن بالمقابل، يواجه البلد أكبر تحد، وهو الفساد، الذي استشرى في أغلب مفاصله، وقد أسست هيئة النزاهة العراقية لمواجهة هذه الأزمة.

|