
لا شكَّ ولا ريب في أنَّ ما جرت عليه سيرة الشيعة من إحياء العشرة الأولى من شهر محرّم الحرام حزنًا على سيّد الشهداء (ع)، هو من الشعائر المنصوصة التي نصّ عليها الشارع المقدّس وأكّد عليها الأئمة الأطهار (ع).
فقد ورد في الرواية عن الإمام الرضا (ع): (كان أبي إذا دخل شهر المحرّم لا يُرَى ضاحكًا، وكانت الكآبة تغلب عليه حتى يمضي منه عشرة أيام، فإذا كان يوم العاشر كان ذلك اليوم يوم مصيبته وحزنه وبكائه).
والمستفاد من هذه الرواية أنَّ الإمام الكاظم (ع) كان يعلن الحداد على سيّد الشهداء (ع) بمجرّد دخول شهر عاشوراء إلى أن تمضي منه عشرة أيام.
ولكنّ النقطة الجديرة بالالتفات والتنبّه هي: أنَّنا -من ناحيةٍ- إذا وضعنا يدنا على فتاوى المراجع العظام، سنجد أنَّ الحداد على سيّد الشهداء (ع) لا يختصّ بالعشرة الأولى من شهر محرّم الحرام فقط، بل إنَّ الفتاوى قائمة على إعلان الحداد على مدى شهرَي محرّم وصفر.
فقد سئل الشيخ التبريزي (قده): ما هو حكم إجراء عقد النكاح في شهر محرّم وصفر؟ فأجاب: «لا بركة في عقد الزواج في هذين الشهرين، فهما من أشهر الحزن لما جرى فيهما على أهل البيت (ع) من المصائب والأحزان» [صراط النجاة: ج10، ص339].
وفي إجابة أخرى قال (قده): «لا بدَّ أن يخصَّص شهرا محرّم وصفر لإظهار الحزن والجزع على مصيبة سيّد الشهداء (ع)، والزواج في هذين الشهرين لا بركة فيه، ومحبّ أهل البيت (ع) لا يقدم على هكذا عمل في أيام مصائبهم (ع)» [الشعائر الحسينيّة: ص270].
وسئل السيد السيستاني (دام ظلّه): ما هو حكم التزيّن في شهر محرم وصفر للزوج فقط أي وضع المكياج وعمل البخور للبيت؟ فأجاب: «لا ينبغي ذلك» [استفتاء منشور في موقع سماحته الإلكتروني].
وسئل (دام ظلّه) أيضًا: ما حكم تغيير المرأة لون شعرها في شهري محرم وصفر؟ فأجاب: «لا ينبغي القيام فيهما بما لا ينسجم مع مناسبتهما الحزينة» [استفتاء منشور في موقع سماحته الإلكتروني].
وسئل (دام ظلّه) أيضًا عن حكم ما يقوم به البعض في شهر محرّم وصفر -وعموم أيام المناسبات الحزينة- من الزواج والانتقال لبيت جديد والتزيّن في البدن واللباس وغير ذلك، فكان من جوابه: «نعم، ينبغي أن لا ينفَّذ في أيام مصائب أهل البيت (ع) وحزنهم ما لا يوقعه الإنسان عادة في أيام حزنه ومصابه بأحبابه، إلّا ما اقتضته الضرورة العرفيّة، فيختار وقتًا أبعد عن المساس بمقتضيات العزاء والحزن» [استفتاءات مختارة حول الشعائر الحسينية: ص34].
ومن ناحية أخرى: ما عليه العمل عند فقهاء الطائفة هو أيضًا إعلان الحداد في هذين الشهرين، فعندما نقرأ في سيرة فقيه الطائفة السيّد الحكيم (قده) وفي سيرة سيّد الأساطين السيّد الخوئي (قده) نجد أنَّ سيرتهما قد جرت على ارتداء السواد منذ أول يوم من أيام المحرّم إلى آخر يوم من أيام صفر.
فالحداد على الحسين (ع) غير مقصور على عشرة أيام، بل يمتدّ بامتداد محرم وصفر، والسؤال الذي يطرح نفسه هنا:
ما هو منشأ تلك الفتاوى وهذه السيرة التي جرى العمل عليها عند فقهاء الطائفة ⁉️
|