مفهوم البحث في الشخصية يعني البحث في البناء النفسي التكويني والسلوكي للإنسان، ويتكون من مجموعة من قدرات عقلية وفكرية تميزها عن سواها، والسيدة زينب (عليها السلام) تتميز بقوة هذا البناء الذي أسهم في بلورة شخصيتها التي برزت في أصعب المواقف؛ لما تحمله من أثر تربوي أعدها إعداداً نفسياً يتواءم مع صلابة كل حدث، فالأم فاطمة الزهراء هي من أسست مرتكزات الصلابة والمواجهة مع الباطل بأضخم عناوينه، وهذا الاعداد بطبيعته يتواءم مع خشونة كل حدث، والأب علي بن ابي طالب أمير المؤمنين، ومثل هذ الإرث لابد ان يمنحها القوة القادرة على التماسك النفسي والتصابر وقدرة التكيف النفسي، ورفع قدرة القيادة، وإدارة الازمات.
تجسدت صلابتها بتفاعل العوامل الفطرية الوراثية التي صهرت شخصيتها بهذه القوة، تمكنت زينب (عليها السلام) من استثمار سمات التربية ومؤثرات البيت لصياغة مقوماتها الشخصية التي تمثلت بقوة الالتزام والتحكم والتحدي والثقة العالية بمشروع الحسين (عليه السلام) النهضوية، ولا يمتلك من قوة تعزيز الموقف، فقد نهلت (عليها السلام) من منهل أهل البيت (عليهم السلام)، وتعرفت على واقع الطف بشكل استباقي ورؤى معلومة عاشت الطف، وهي في طور النشأة والنضوج.
وكان شرط الزواج ينص على الزوج عبد الله بن جعفر الطيار أن يسمح لها بالذهاب مع الحسين (عليه السلام) الى الطف (كربلاء)، وهناك ملاحظة لابد أن نتأملها في منهاج أهل البيت (سلام الله عليهم) أعدّ لنا زينب لتكون هي منهجاً تربوياً فاعلاً يُقتدى به لبناء المواقف الإيجابية في كل زمان ومكان، لتكون مثالاً يُقتدى به للمرأة المسلمة في كل جيل، يعني أن الاعداد النفسي والروحي المتمثل بقوة التحمل وقوة التحدي والصبر والصمود والصلابة والثبات، لتكون دروساً تنمّي قدرة التحكم بالسلوك عند المرأة المسلمة.
من أهم عوامل النضوج النفسي هو الايمان بالله واليوم الآخر وعدالة القضية، وفهم البعد الايماني، ابن زياد رأى الطف مذبحة وتصفية حساب وقتل وذبح ودمار، في حين رأت زينب هذا العالم المرعب توفيقا وشهادة منحها الله تعالى ليعتلي هذا البيت فخراً، فهي رأته جميلاً، ومن ألطاف الله تعالى؛ لكي تعيش الوضوح المنهجي وليعرف العلم منهجية القيم الزينبية التي اكتسبتها من الأثر التربوي البيتي لتدرك من خلاله معنى الولاء الذي هو عبارة عن الالتزام بمعتقدات الايمان.
والمكسب التربوي المهم في حياة زينب (عليها السلام) هو الرضا والتسليم لأمر الله سبحانه تعالى، يرى معظم المحللين والمؤرخين، أن شخصية زينب انبثقت من شخصية الزهراء (عليها السلام) والفصاحة والبلاغة والبيان من ابيها امير المؤمنين(عليه السلام) فانطبع حب الله في مواقفها ومشاعرها، أصبحت من مقومات شخصيتها، امرأة تقف امام منظر الدم والقتل وجثة الحسين واخوتها وبنيها واهل بيتها ترفع يدها الى السماء وتناجي الله صاحب المشروع الإلهي الأول والأخير: (اللهم تقبل منا هذه القربان).
شخصية اعتصمت بالله واعتبرت كل هذه المصائب فضلاً من الله ونعمة تستحق الشكر، وتميزت بالصبر والتجلد وقوة التحصين النفسي امام أعداء الله والعزة والكرامة، نتأمل في الاحداث نجدها رغم جوع الأطفال والنساء ترفعت ان تطلب للأيتام شيئا من طعام، ورفضت طعام اهل الكوفة حين أعطوا الأطفال طعاماً، قالت حكمتها: (الصدقة محرمة علينا اهل البيت)، واجمل رد فعل من الأطفال انهم استجابوا لعمتهم، وألقوا ما في أيديهم.
يذكرني هذا الموقف بجنود طالوت في الابتلاء بنهر، قال تعالى: «فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللّهَ مُبْتَلِيكُم بِنَهَرٍ فَمَن شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلاَّ مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُواْ مِنْهُ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمْ» {البقرة/249}.
وهؤلاء الأطفال ابتلاهم بجوع وعطش، استجابوا لعمتهم دون أن يعطوا لأنفسهم مهلة، وكان موقفها في مجالس الطغاة درساً ثورياً من دروس المواجهة تمثل بأسمى معاني قوة الشخصية، واستطاعت أن تدير وجه النصر الاموي المزعوم الى انكسار وفشل، وتصدرت ثورة المذبوحين التأريخ كأعظم ثورة بفضل قيادة زينب للجولة الثانية، ليشهد العالم ما تمثله قائدة الطف في مرحلته الثانية من قوة شخصية وشكيمة.
ساعد الله قلب زينب (عليها السلام).
|