إنَّ كثيراً من عُلماء الغرب يعتقدون بأنَّ الدِّينَ قادرٌ على حلّ مشكلة الإنسان في مجال التعاطي الاعتقادي والنفسي والحياتي والسلوكي مع خالقه وربّه الله (تبارك وتعالى)، ومع شرائعه وأديانه، وذلك ما اختزله العالم الأنثروبولوجي الاسكتلندي، جيمس فريزر (1854-1941م) في كتابه الشهير (الغصن الذهبي) إذ عرّفَ الدِّين: (بأنَّه التقرّبُ إلى القُوى العُليا التي تفوقُ الإنسانَ، والتي يُعتَقَد أنَّها توجه الحياةَ البشريّة، ومن ثمّ فيتضح أنَّ للدِّين عنصرين هُما: الإيمان بوجود قوى أعلى والآخر هو التقرّب لهذه القوى)(1).
وبناءً على ذلك، يتحتم على الإنسان أن يكون كائناً مُتدّيناً كما يرغب أن يكون كائناً اجتماعيّاً مُثقفاً، وإن كان التدين تمثلاً فطريّاً في جبلة كُلّ إنسانٍ بغض النظر عن الاشتباه المفهومي والمصداقي في نوع ذلك الدِّين وحقّانيّته.
فالدِّين بوصفه الثقافة الحقّة، هو مَن يتكفّل بتفسير الأحداث الحياتيّة والظواهر الوجوديّة والكونيّة تفسيراً معقولاً ومقبولاً وصالحاً.
وهذا المعنى أكّده العالم الأنثروبولوجي الأمريكي كليفورد جيرتس (1926-2006م) في مقالتيه المعروفتين (الدين بوصفه نسقاً ثقافياً) و(الإسلام مُلاحَظاً) حيثُ (أكّدَ أنّ أفضل طريقة لدراسة الدِّين هي دراسته كمجموعة من الرموز المُقدّسة مُتجسدة في مجموعة من المفاهيم الأساسية للعالم، وكيف ينبغي للناس أن يتصرفوا فيها، وقد أوضح الدور المحوري الذي تلعبه الطقوس سواءٌ من وجهة نظر المؤمن بها أو من جهة نظر المُلاحِظ، وقد أكّد أيضاً على أهمية النظر إلى الدّين في سياقه الاجتماعي والتاريخي دون ردّ جوهره الدلالي إلى مجرد انعكاس للبناء الاجتماعي، وهذه إسهامات مهمة للغاية في دراسة الدين)(2).
إذن، يتجلى مما تقدّم، أنّ الإنسان لا ينفك في احتياجه إلى الدِّين بقاءً وتطبيقاً، مثلما احتاجه حدوثاً من أول وجوده، ذلك كون الدِّين نظاماً اجتماعياً يقوم على أساس فكرة وجود مَوجود أعلى ومُقدّس والالتزام بتعاليمه، وهو الله، سبحانه وتعالى الحي والباقي والسرمدي والقادر على كُلّ شيءٍ، والخبير بواقع الإنسان ومصيره والمُشرّع له من الشرعة والصراط الحقّ ما يكفل معه صلاحه وفوزه وسعادته في الدنيا والآخرة بواسطة الأنبياء والأئمة المعصومين (عليهم السلام)، وكتبه المُقدّسة كالقرآن الكريم، قال تعالى: "شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالذِي أَوْحَيْنَا إليْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى المُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إليْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إليْهِ مَن يَشَاء وَيَهْدِي إليْهِ مَن يُنِيبُ" الشورى: (13).
فالدّين (هو مَن يرسم العلاقات بين العالم المادي والعالم العلوي والواجبات والالتزامات المُتبادلة بين كِلا العالمين، وهو مَن يُكوّن أنماطَ السلوك التي تهدف إلى جعل الأفراد ينسجمون مع خالقهم ويخضعون للثواب والعقاب)(3).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) جيمس فريزر، الغصن الذهبي، دراسة في السحر والدين، ترجمة أحمد أبو زيد،1: 127.
(2) أنثروبولوجيا الإسلام، د. أبو بكر أحمد باقادر: 521.
(3) معجم العلوم الاجتماعية، حسن شحاته سعفان، مادة: (دين): 270.
|