هل كان النبي ( ص) أمياً؟
هناك آيات ربما يفهم من ظاهرها أن النبي (ص) لم يكن يجيد القراءة والكتابة، منها: «الذين يتبعون الرسولَ النبيّ الأمي...»(1)، ومنها: «وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ ۖ إِذًا لَّارْتَابَ المبطلون»(2).
وقد اختلف العلماء في ذلك على مذاهب متعددة:
فقال بعضهم أن الآية «النبي الأمي» فيها إشارة إلى أمّ القرى (مكة)، وأما الآية الثانية ففيها إشارة إلى أنه (ص) لم يكن يقوم بفعل القراءة والكتابة لا أنه لا يجيدهما، وهذا ما جاء عن الشيخ الطوسي (قدس سره) في رده على بعض المفسرين الذين يرون أن النبي (ص) لم يكن يحسن القراءة والكتابة، قال: والآية لا تدل على ذلك، بل فيها أنه (ص) لم يكن يكتب الكتاب، وقد لا يكتب الكتاب من يحسنه، كما لا يكتب من لا يحسنه.
وهذا الرد وفقا للإشكال الذي يذكر، وهو أن القراءة والكتابة كمال، والأمية نقص وحاشا لمقام النبوة والعصمة، أن يدخل عليه النقص، وعدم الكمال لكن يمكن القول: إن عدم القراءة والكتابة نقص للإنسان العادي، أما الذي تلبس بمقام العصمة، فهو يقرا ما وراء السطور، وما تخفيه القلوب، ويوجد المعاجز التي يعجز عنها البشر.
روى علي بن سباط، وغيره مرفوعاً عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: «قلت أن الناس يزعمون أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) لم يكتب ولم يقرأ، فقال: كذبوا لعنهم الله أنى يكون ذلك، وقد قال (عز وجل): «هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ» فكيف يعلمهم الكتاب والحكمة، وليس يحسن أن يقرأ ويكتب؟ قال: قلت فلِمَ سُمِّيَ (النبي الأمي) قال: لأنه نسب إلى مكة، وذلك قول الله (عز وجل): «ولتنذر أم القرى ومن حولها»(3)، فأمّ القرى مكة، فقيل أمّي.
معنى الرسول والنبي والمحدث:
روى الكليني بإسناده عن الحسن بن محبوب عن الأحوال قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن الرسول والنبي والمحدث؟ قال: «الرسول الذي يأتيه جبرئيل قبلاً فيراه ويكلمه فهذا الرسول، وأما النبي، فهو الذي يرى في منامه نحو رؤيا إبراهيم (عليه السلام)، ونحو ما كان رأى رسول الله (ص)، من أسباب النبوة قبل الوحي، حتى أتاه جبرئيل (عليه السلام) عندما أوحى الله إليه بالرسالة، فنبينا الكريم (ص) جمعت له النبوة والرسالة من عند الله تبارك وتعالى.
ومن الأنبياء من جمعت له النبوة، ويرى في منامه ويأتيه الروح ويكلمه ويحدثه من غير أن يرى في اليقظة، وأما المحدث فهو الذي يحدث فيسمع ولا يعاين ولا يرى في منامه، وروي عن أبي حمزة عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: والله، ما ترك الله أرضاً منذ قبض آدم (عليه السلام)، إلا وفيها إمام يهتدي به إلى الله تعالى، وهو حجته على عباده، ولا تبقى الأرض بغير إمام حجة الله على عباده.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) (الأعراف: 157).
(2) (العنكبوت: 48).
(3) (الأنعام: 92).
|