• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : ثقافات .
              • القسم الفرعي : ثقافات .
                    • الموضوع : غبش الصباح (2) .
                          • الكاتب : منتهى محسن .

غبش الصباح (2)

 رويدًا رويدا يحلّ الضياء، فتنقشع الظلمة وتتسلّل أشعة الشمس الخلابة، تنثر أشعّتها  على أرجاء الحياة ليصحو من على الارض جميعا، ويتعبّأ الوجود لخوض غمار يوم جديد. 
يوم جديد يلوح في الأفق وفرصة جديدة كتب لنا عيشها على ظهر الحياة، نحياها بكل ثوانيها وساعاتها وتفاصيلها... لنتساءل: ترى... هل تنقضي بالطاعة والإيمان، أم تندرج تحت بند المعصية والآثام؟! 
أسئلة حيرى يصارع بعضها بعضا، وتتمرّد على أجوبتها، فمن يستطيع منّا أن يجيب عليها بصدق وايمان؟!  
من يفكّر في محسوبه كما يفكر في مأكوله؟!  
من يعيش ليدوم ذكره، ويخلد ويترك الأثر الفعّال؟!  
هي نفسها دورة الحياة تعيد كرّتها مع إشراقة كلّ صباح، حيث تتواتر الحكايات وتنتظم القصص في طيّات ساعات النهار، تتعالى الضوضاء ويرتفع الصخب وتُفرَش الأرصفة بمختلف السلع والحاجات، وتعلّق المحلّات بضاعتها المزجاة عبر الرفوف والماسكات، وتتسارع خطوات الناس من مختلف الأجناس من بائعين متجوّلين أو مشترين، كلٌّ حسب حاجته .  
أبو حسين بائع في كشك صغير يبتاع الخضر والفواكه لأهل المحلّة، يشرع في عمله مع بواكير الصباح، يصفّف الفواكه الناضجة والخضار الطازجة بفنٍّ وإتقان، ويفتتح عمله بالتوكّل على الله وبالصلاة على نبيه المختار وآله الطيّبين الأبرار.  
طرق خفيّ يتوالى بين الحين والآخر علوًّا وانخفاض، إنه صادرٌ عنّ محل سيد كريم بائع الملابس.  
سيد كريم هو الآخر يأتي عند أول الصباح، يشرع بفتح محلّه ويتهيّأ لاستقبال الزبائن، يعلق الملابس في واجهة المحل، ويقف بوجهه الباسم عند الباب يستقطب بابتسامة الرضا والقبول رزقه الذي كتبه الباري له في هذا اليوم الجديد.  
وهكذا تمتلئ الشوارع وتسير عربات الحمل في تعرّجات الطريق الضيق، وتدبّ الحياة كلما بزغت شمس الصباح، وتراءت في الأفق أمارات النهار،  وعباد الله في ترحالهم المعهود لا يكلّون ولا يتوقّفون، إلا بانتهاء فرصة الحياة بأكملها...  
والسؤال يداهمنا بعنفوان: إلى أيّ مدى نحن غارقون ومقصّرون في رد جميل خالق الأكوان؟ 
هو يهبنا هديةً نفيسة، فنكون في غاية الحرص حفاظًا عليها من التلف، واعتزازًا وامتنانًا وعرفانا، والأكثر من ذلك فإننا نقتنص الفرص لردّ ذلك المعروف بأحسن الهبات والهدايا... 
لكن... هل اهتممنا جدّيًّا بردّ جميل واهب النعم الحنان المنان؟ 
للأسف، نجد الإجابة مخجلةً ومحبطة للآمال، ونحن في غاية التقصير وذروة الإهمال، نعبأ بإرضاء الناس وردّ جميلهم، ولا نكترث بردّ نِعم الواهب إلا بالذنوب والعصيان...  
واأسفاه... أتنقضي ساعات هذا النهار المشرق الوضّاء، وعباد الله يغرقون في متع الحياة وينسون بارئهم ربّ الإنس والجان؟!...  
واأسفاه... أتدوّن في كل لحظات العمر جبال السيئات، ولا يكون هناك في مقابلها إلا القليل من الحسنات؟!... 
الويل لنا إذًا من شدة العقاب... والويل لنا من سخط الرب المنتقم الجبار...  
ولكن، وعلى الرغم من كثرة العاصين والمذنبين، فإن باب التوبة مفتوح على مصراعيه للوافدين، وعلى الرغم من كثرة الضالّين، فإن في الجانب الثاني عبادًا مخلصين يتوجّهون كل صبيحة لعمل ما يرضي الله، لا ينسون ذكره ولا يتوقّفون عن شكره ولا يتركون استغفاره وطلب عفوه.  
قلوب عمرت بحب الله، تحيا في الحياة الدنيا بحثًا عن  نعيم الحياة الآخرة، تهجع وتتهجّد في الليل، وتتبتّل ذوبانًا في الخالق، أولئك عليهم صلوات الله ومغفرته ورضوانه.




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=167730
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2022 / 04 / 27
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 15