أدت أزمة المياه في الأهوار بمدن جنوبي العراق، وتقلص المساحات المغمورة بالمياه فيها خلال الأشهر الأخيرة، نتيجة قطع إيران لعدد من مياه روافد دجلة وتحويل مجرى أخرى عنها، إلى تراجع ملحوظ بالثروات الطبيعية، وتحديداً الجاموس، الذي يمثل الشكل الأزلي لمناطق جنوب البلاد، والذي يُعتبر ركيزة معيشية لمعظم ساكني الأهوار.
لا سيما مع تعاظم نسب الجفاف وتراجع جودة المياه وزيادة المركزات الملحية وتحوّلها إلى بيئة حاضنة للأمراض.
ويشكل الجاموس وتجميع حليبه وبيعه في السوق، مصدر رزق لآلاف العوائل التي تسكن مناطق الأهوار المائية التي تمتد على أطراف 3 محافظات عراقية وهي ذي قار وميسان والبصرة، إلا أن هذا المصدر أخذ بالتراجع جرّاء الأزمة المائية.
وتقلصت أعداد الجاموس بشكلٍ كبير خلال الأعوام الماضية، حيث تفيد التقديرات بأن نحو ربع مليون حيوان جاموس كان في مناطق جنوب العراق.
لكنه تراجع إلى أقل من 100 ألف في غضون الأشهر القليلة الماضية، لا سيما مع صعود أسعار الأعلاف وانتشار الأمراض.
وقال الناشط البيئي عبد الرحمن التميمي، وهو من مدينة ذي قار، إن “شح المياه تسبب بنفوق الآلاف من حيوان الجاموس، لما يتعرض له الحيوان من بيئة باتت حاضنة للأمراض أثناء موسم الجفاف، وزيادة الأملاح، التي تتسبب ببروز ديدان تنخر في أجساد الحيوان، وتقضم من مناطق ناتئة في جسده مثل الأذن والأنف”.
وبيّن أن “هذه الكارثة تنسحب على بقية الثروات الطبيعية ومنها الأسماك والطيور النادرة والمهاجرة، ناهيك عن كون الأهالي تضررت مصالحهم بشكل كبير، وكثير منهم فضلوا الهجرة إلى المدن وتبديل مهنهم”.
وكانت دائرة الثروة الحيوانية التابعة لوزارة الزراعة العراقية، قد تبنت خطة جديدة من خلال التلقيح الاصطناعي لحيوان الجاموس لزيادة أعداده.
لكن المُزارع من محافظة ميسان محمد النتش، أشار إلى أن “الخطة كانت حقيقية، وقد شهدنا تلقيح الكثير من الجواميسز
لكنها لم تكن تتناسب مع طموح المزارعين ومربي الجاموس، الذين يعتبرون أن مصيبتهم بالمياه بالدرجة الأولى، وتقترب إلى مجزرة بالحيوانات التي تعيش في المسطحات المائية جنوب العراق”.
وذكر النتش أن “المصادر الوحيدة لمعيشة الساكنين في مناطق الأهوار، هي الجاموس وحليبه والأسماك والقصب، وجميعها تتراجع في ظل الأزمة المائية”.
مؤكداً أن “الحكومات لم تعالج المشاكل التي يعاني منها الأهالي، بل أنها راحت إلى لوم مربي الجاموس على عدم نقل الجاموس إلى مسطحات مائية أخرى خالية من الأمراض، وقد حدث هذا بالفعل في محافظات الجنوب”.
وتحدث عن خسائر بملايين الدنانير شهرياً بين أهالي الأهوار والمزارعين جنوبي العراق نتيجة شح المياه وتركهم الزراعة وتربية المواشي.
وخلال السنوات العشر الماضية، فقد العراق بسبب شح المياه، نحو نصف مساحة الأهوار، بسبب التراجع بالمياه وعدم توصل الحكومات العراقية إلى حلول نهائية بشأن حصص العراق المائية مع تركيا من جهة، وإيران التي قطعت أغلب الروافد المائية التي تنطلق من أراضيها وتصب في نهر دجلة.
أما المسؤول المحلي السابق في مدينة الناصرية، مركز محافظة ذي قار، حسن الوائلي، فقد لفت إلى أن “الأهوار تخسر جميع مواردها سواءً البشرية أو الحيوانية والاقتصادية، بسبب الإهمال الحكومي وشح المياه، وهذا الأمر بات يتسبب ببطالة في تلك المناطق”.
وأكد لـ”العربي الجديد”، أن “التقديرات المحلية تشير إلى أن الجاموسة الواحدة كانت تنتج نحو 20 ليتراً من الحليب، لكن تقلص انتاجها خلال العامين الماضيين إلى أقل من 10 كيلوغرامات من الحليب، وهذه كارثة اقتصادية كبيرة حلت بمناطق جنوب البلاد”.
وأضيفت الأهوار وهي مسطحات مائية، عام 2016 من قبل منظمة اليونسكو إلى لائحة التراث العالمي، واشترطت المنظمة آنذاك ترميم مناطق الأهوار وإزالة التجاوزات.
كما أكدت على ضرورة مراعاة وتسهيل عودة سكانها الأصليين، إضافة إلى تطوير الجانب السياحي.
إلا أن أيّاً من هذه الشروط لم يتحقق، رغم أنها تشكل 17 بالمائة من مساحة العراق، وتغطي المياه 3.8 ملايين دونم من الأراضي العراقية، منها 2.3 مليون دونم مغطاة بمياه الأهوار.
تجدر الإشارة إلى أنّ أهوار العراق عُرفت سابقاً بجمال طبيعتها وغزارة مياهها وتنوّعها البيئي، لكن هذه المسطحات المائية العملاقة أخذت بالانحسار وبدأت هجرة السكان الجماعية منها إلى المدن في ستينيات القرن الماضي.
لكنّ وتيرتها ارتفعت إبان الحرب العراقية مع إيران (1980-1988) لوقوعها على حدود جبهات المعارك بين البلدَين.
في سياق منفصل، وفي خلال السنوات الأخيرة، استُخدمت منطقة الأهوار المترامية الأطراف والنائية والواقعة على الحدود مع إيران في تهريب المخدرات والأسلحة وتسلم البضائع المسروقة واحتجاز رهائن لطلب الفدى

|