الرؤية الحداثوية أي النظر بحداثة الرؤية وليس بفعلها النمطي الاستهلاكي، يجعلنا نتمحص الواقع الاعلامي كمنبر من منابر الوعي الثقافي بثقل ذاكرته المليئة بالأحداث السلبية والايجابية، ومن وحي التغيير السياسي الذي حصل في العراق، أصبح لدينا تطور في الاعلام من حيث عدد الصحف والمحطات الاذاعية والقنوات الفضائية، إعلام وصلت حريته الى تجاوز الرقابة الى الاعلام المفتوح، وهذا ردّ طبيعي للحرمان من الحرية الفكرية، وبقي الاعلام يعيش محدودية الرؤى؛ كونها تفتقد للمبادرة وتعيش دائما في حومة ردّ الفعل والتقليد غير الواعي حتى في منهجيات الاعداد، هناك تلبية ارتجالية لمعظم الحاجات الانفعالية التي بطبيعتها لا تخدم الوعي والادراك.
والمشكلة التي يعاني منها الإعلام هي ظاهرة التحزب، وهذا سيجعل الاعلام مسخرا لما يخدم رؤى الأحزاب، وسيعود الاعلام على غرار العهد السابق إعلاما موجّها لشخصية الرئيس وحزبه، مع وجود تركيز على حصر الاعلام وثقافة الاعلام في مهام التطبعات الشعائرية، وعدم السعي لإبراز جانبها الفكري الواعي، وإبقاء توهجات الجانب الفكري المضيء الى نمطية التقديم والاخراج.
وأغلب البرامج اليوم استسهلت اللقاءات الباردة غير الفاعلة، وحتى الفاعل منها لا يُقدّم بالشكل الذي يستحق، والإعلام الاسلامي الحقيقي له ثقافته الفكرية المؤثرة والجاذبة لكل أسباب النجاح.
الآن الاعلام فقَدَ دعائم الثقة بينه وبين الناس؛ لأن تعدد منهجيات التسييس الاعلامي جعل لكل حدث مجموعة كبيرة من الآراء المتناقضة التي تضخ على المتلقي خبرا بألف وجه.
هناك تلاعب وتغيير الأخبار وطمي معالم الحقيقة، وتقديم ما يهيج الناس وما يفعّل الحقد والكره. وقد اشتغلت بعض القنوات على ظاهرة نزع الولاء الوطني من الشباب، أي اشتغلت على تمويه الحقائق وتسطيح الرؤى. والداهية الكبيرة اذا استطاع الاعلام الموبوء الرسوخ في أعماق الوهم العام، وزرع ايديولوجية جهوية طالما اختنقنا بها تعود بزي جديد اكثر إغواء، فيصبح لدينا إعلام حكومي مدعوم من الحكومة، وإعلام مدعوم من الأحزاب السياسية والاعلام المدعوم من سياسات خارج الحدود.
ولكي نقترب الى دقة التشخيص من يمتلك ثقافة الموروث الاسلامي لا يمتلك وسائل الاعلام التي تقدر على تفعيله، ومن يمتلك الاعلام لا يمتلك الخبرة في الموروثات الاسلامية وفي الفكر الاسلامي، كل واحد يحافظ على حدوده ويتقرب الى الثاني بحدود نمطية استهلاكية، لا الفكر ينصهر في التقنية، ولا التقنية تذوب في معالم الفكر إلا بحدود اللقاءات والمحاورات السطحية، ويالكثرة اللقاءات التي لا تجدي نفعا.
وربما لم يكن هذا السبب هو الوحيد، هناك أسباب أعمق منها أن الأنظمة البائدة سعت الى تقليل شأن هذه الموروثات، هناك قصور فهمي شبابي توخى الاعلام مجابهته فكريا من أجل الارتقاء به، وانما صار الاعلام اخباريا دعائيا ليس له علاقة بالشأن الثقافي والفكري.
الذي نحتاجه اليوم هو استحضار الرموز الاسلامية بطريقة حديثة وبعامل جذب جديد بالنسبة للجمهور، إعلامنا يحتاج الى احتضان المبدعين والنظر الى التميز بعين الاحترام.
|