• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : ثلاثيات محاور القصص القرآني  .
                          • الكاتب : عبير المنظور .

ثلاثيات محاور القصص القرآني 

  للبناء القصصي في القرآن الكريم عناصر ومحاور ولطائف ودلالات وأسرار لا يعلمها إلا الله والراسخون في العلم، وسنمرّ على بعض هذه القصص القرآنية ونستخرج من دررها بعض اللطائف الدلالية بما يتناسب مع البناء الفني لكلّ قصة.
 وعناصر البناء القصصي في القرآن مثل كل القصص الادبية تتكون من أحداث وشخصيات وزمان ومكان وعقدة وحل، إلا أن بعض القصص القرآنية لها دلالة أو محور يستقطب الأحداث والشخصيات حوله بشكل لافت للنظر، ويختلف هذا المحور باختلاف القصة، كما أن له دلالات عديدة وتأثيرات كبيرة على مجريات الأحداث من بداية القصة الى نهايتها، كما يؤثر في عقدة الحكاية والحل.
وحسب استقرائي البسيط لاحظت أن بعض القصص القرآنية تكرر هذا المحور فيها ثلاث مرات وهي:
أ- قصة النبي يوسف (عليه السلام): 
 وهي أحسن القصص حسب وصف القرآن الكريم، ومحور هذه القصة هو (القميص) الذي تكرر في ثلاثة أحداث مهمة على فترات زمنية مختلفة من حياة النبي يوسف (عليه السلام)، وقد لعب القميص دورا مهما في احداث القصة:
١- في طفولة يوسف (عليه السلام): 
 حيث اتخذ اخوة يوسف من قميص يوسف الملطخ بدم كذب وسيلة لإبعاد يوسف عن أبيه النبي يعقوب (عليه السلام): «وَجاؤُ عَلى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللهُ الْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ»[سورة يوسف:١٨].
 ولم تنطلِ خدعة الاخوة على النبي يعقوب (عليه السلام) إلا أن النتيجة كانت إبعاد النبي يوسف (سلام الله عليه) عن أبيه وبيعه عبدا ووصوله الى مصر، وهناك تبدأ المرحلة الثانية من قصة النبي يوسف مع احداث وشخصيات جديدة.
٢- في شباب النبي يوسف (عليه السلام):
 إذ راودت امرأة العزيز يوسف (عليه السلام) عن نفسه في قصة مفصلة وقدّت قميصه من دبر، وكان هذا القميص سببا في إظهار براءة النبي يوسف (عليه السلام): «وَاسْتَبَقَا الْبابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ وَأَلْفَيا سَيِّدَها لَدَى الْبابِ قالَتْ ما جَزاءُ مَنْ أَرادَ بِأَهْلِكَ سُوءاً إِلاَّ أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذابٌ أَلِيمٌ»[ سورة يوسف/٢٥].
 ورغم براءته دخل يوسف (عليه السلام) الى السجن ظلما لتبدأ مرحلة اخرى في هذه القصة مع احداث وشخصيات تؤثر على سير الاحداث مستقبلا، وهنا بدأت عقدة القصة.
٣- الظهور الأخير لمحور القميص في قصة النبي يوسف (عليه السلام): حينما أعاد قميصه البصر لأبيه النبي يعقوب (عليه السلام): «اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هذا فَأَلْقُوهُ عَلى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيراً وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ»[سورة يوسف/٩٣].
 وجمعه بابنه بعد فراق دام عقودا، واجتماع أسرته جميعها ورحيلها الى مصر وبه ختمت الأحداث الرئيسية للقصة.
 ولو تأملنا قليلا لوجدنا ان القميص الذي ذكر ثلاث مرات لم يكن قميصا واحدا، بل كانت ثلاثة قمصان مختلفة، ولكن المهم في القصة انها ادت غرضها في بناء الاحداث، وظهور الشخصيات الثانوية وعلاقتها مع بعضها صنع الحبكة القصصية من عقدة وحل كما لاحظنا سابقا.
 ب- قصة آل عمران (عليهم السلام): 
 ومحور هذه القصة الذي تكرر ثلاث مرات أيضا وهو حصولهم على الذرية بالمعجزة، وتمهيد هذه الذرية للحجة على الخلق من بعدها، وفي كل مرة اثر هذا المحور على قصة احد من آل عمران وعلى سير الأحداث في ثلاث قصص متداخلة مع بعض تداخلا بنائيا انسيابيا رائعا:
١- امرأة عمران: 
 وحصل الاعجاز في انها رُزقت بمريم (عليها السلام) على كبر سنها، وبعد ان استهزأ الناس بها وبزوجها عمران النبي (عليه السلام) وعيروهم بعدم الانجاب: «فَلَمَّا وَضَعَتْها قالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُها أُنْثى وَاللهُ أَعْلَمُ بِما وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنْثى وَإِنِّي سَمَّيْتُها مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُها بِكَ وَذُرِّيَّتَها مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ»[سورة آل عمران:٣٦].
 وبالنتيجة نلاحظ أهمية ولادة مريم (عليها السلام) في ظلّ هذا الظرف الحرج لزيادة ايمان الناس بالنبيّ عمران، وتصديق آل عمران ولتهيئة النفوس لتقبل دعوة النبي زكريا (عليه السلام) الذي جوبه بالرفض من علماء بني اسرائيل وأحبارهم.
2- النبيّ زكريا (عليه السلام): 
 وهنا الاعجاز الثاني في طلب الذرية للنبي زكريا (عليه السلام) الذي بلغ من الكبر عتيا، وكانت امرأته عاقرا، ورزقه الله بالنبيّ يحيى (عليه السلام) سيدا وحصورا وصديقا نبيا، بعد أن شاهد دلائل الرحمة الالهية التي شملت مريم (عليه السلام): «قالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عاقِرٌ قالَ كَذلِكَ اللهُ يَفْعَلُ ما يَشاءُ»[آل عمران:٤٠].
 وولادة النبيّ يحيى (عليه السلام) أيضا لها من الأهمية الكبيرة في اثبات دعوة ابيه النبي زكريا (سلام الله عليه) أمام أحبار اليهود وعوامهم، وكذلك لتمهيد الطريق امام نبوة عيسى (عليه السلام) وتثبيت دعائم رسالته في المجتمع اليهودي.
٣- السيدة مريم (عليها السلام):
وهو الاعجاز الثالث الفريد من نوعه في هذه القصة، وهو ولادة النبي عيسى (عليه السلام) من غير أب:
«قالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قالَ كَذلِكِ اللهُ يَخْلُقُ ما يَشاءُ إِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ»[آل عمران/٤٧]. 
 وجعله آية للناس بتكلمه في المهد صبيا، وإحياء الموتى، وإبراء الأكمه والابرص، ومبشرا برسول من بعده اسمه احمد، ورفعه الله اليه في ملكوته ليعيده الى الارض ليمهد الطريق نحو تحقيق العدل الالهي في آخر الزمان ويصلي خلف الامام المهدي (عجل الله تعالى فرجه وسهل مخرجه)، ومعا يملآن الأرض قسطا وعدلا كما مُلئت ظلما وجورا.




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=164898
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2022 / 02 / 16
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 15