
منذ أكثر من شهر حتى الآن، تجهز روسيا حشدا عسكريا كبيرا بالقرب من حدودها مع أوكرانيا وفي شبه جزيرة القرم التي تم ضمها بشكل غير قانوني. وأثناء كتابتي لهذه السطور، كان هناك ما يقرب من 175000 جندي روسي على مقربة من حدود أوكرانيا. وبناءً على هذه التطورات، حذرت أجهزة المخابرات الأميركية وحلف شمال الأطلسي من احتمال غزو روسي واسع النطاق لأوكرانيا، وفي الوقت نفسه أعلن الرئيس الأوكراني زيلينسكي مؤخرا أن حكومته كشفت مؤامرة انقلابية ضده.
يعد هذا استمرارا لحشد عسكري كبير بالقرب من أوكرانيا كانت روسيا قد قامت بحشده في وقت سابق من هذا العام. وبالعودة إلى مارس (آذار) وأبريل (نيسان) الماضيين، أجرى الجيش الروسي حشدا واسع النطاق على الحدود مع أوكرانيا. ووفقا لبعض التقارير، فقد حشدت ما يصل إلى 15 في المائة من إجمالي قوتها البشرية ونحو ثلث كتائبها التكتيكية، فضلا عن المعدات العسكرية، بما في ذلك الدبابات وعربات المشاة القتالية والمدفعية وأنظمة الدفاع الجوي على الحدود. وفي الوقت نفسه، دقت أوكرانيا ناقوس الخطر محذرة حلفاءها الغربيين من أن موسكو تستعد للغزو. وفي مايو (أيار) الماضي، سحبت روسيا قواتها، موضحة أن الحدث كان مجرد تدريب عسكري. ومع ذلك، ظلت معظم المعدات الثقيلة في مكانها ولا تزال موجودة. يبدو أن قمة يونيو (حزيران) بين الرئيس بايدن وبوتين أدت إلى نزع فتيل التوترات، على الرغم من عدم التوصل إلى اتفاق «إعادة ضبط» بين الخصوم القدامى.
وتعود وتنفي موسكو مرة أخرى وجود خطط لغزو أوكرانيا؛ حيث أوضح فلاديمير بوتين أن الحشد العسكري على الحدود هو مجرد «تكتيك دفاعي»، وفي المقابل يتوقع أن يضمن الناتو عدم ضم أوكرانيا، واصفا هذه الخطوة المحتملة بالخط الأحمر. كما يطالب الرئيس بوتين بضمانات بعدم وضع صواريخ أميركية في أوكرانيا أو في أي مكان آخر على الحدود مع روسيا. وفي 7 ديسمبر (كانون الأول)، تحدث الرئيس بايدن والرئيس بوتين عبر مكالمة فيديو استغرقت أكثر من ساعتين، وقال البيت الأبيض إن الرئيس بايدن حذر السيد بوتين من «عواقب وخيمة» لأن الولايات المتحدة ستتبع «إجراءات اقتصادية وغيرها من الإجراءات القوية» إذا غزت روسيا أوكرانيا. وقالت واشنطن إن حزمة عقوبات رئيسية مطروحة على الطاولة في حالة حدوث غزو، وسيشمل ذلك إخراج روسيا من نظام SWIFT الدولي، وضمان أن توقف ألمانيا مشروع خط أنابيب «NordStream - 2» المثير للجدل مع روسيا.
ورد في تعليق الكرملين على المباحثات بين بوتين وبايدن أن «الأزمة داخل أوكرانيا وعدم إحراز تقدم في تنفيذ اتفاقيات مينسك لعام 2015» كانت مقلقة لبوتين، وأنه في المناقشة أعرب عن «قلقه الشديد بشأن إجراءات كييف الاستفزازية ضد دونباس». ووفقا للبيان، قوبل قلق بايدن بشأن تحركات القوات الروسية على الحدود مع أوكرانيا بتحذيرات السيد بوتين ضد الناتو: «وحذر فلاديمير بوتين من نقل المسؤولية إلى روسيا، حيث إن الناتو هو الذي يقوم بمحاولات خطيرة لكسب موطئ قدم في الأراضي الأوكرانية وحشد إمكانياته العسكرية على طول الحدود الروسية. ولهذا السبب، فإن روسيا حريصة على الحصول على ضمانات موثوقة وملزمة قانونا تستبعد احتمال توسع الناتو شرقا ونشر أنظمة أسلحة هجومية في الدول المجاورة لروسيا. واتفق الزعيمان على إصدار تعليمات لممثليهما للمشاركة في مشاورات هادفة بشأن هذه الأمور الحساسة».
سرعان ما كشفت هذه الأزمة عن نفسها على أنها في جوهرها مواجهة بين روسيا والولايات المتحدة- الناتو. ويبدو أن إدارة بايدن تدرك ذلك جيدا وتعرب عن مزيد من القلق والدعم لأوكرانيا أكثر مما أبدته منذ أن ضمت روسيا شبه جزيرة القرم في عام 2014. في ذلك الوقت كان جو بايدن نائب رئيس الولايات المتحدة؛ حيث اختارت إدارة أوباما عدم التدخل بشكل كبير، اكتفت بدعم أوكرانيا بخطابها فحسب. لم تبدأ الولايات المتحدة في تسليح أوكرانيا إلا بعد رئاسة ترامب. والآن يقول البيت الأبيض إنه مستعد لمواجهة روسيا إذا حدث غزو آخر. ووفقا لمستشار الأمن القومي بالبيت الأبيض، نيد برايس: «نحن الآن على استعداد لاتخاذ إجراءات لم نتخذها في عام 2014».