في كُلِّ شيءٍ نُريدُ الانضمامَ إليه، والكونَ فيه ومعَ أصحابِه لا بُدّ أنْ تتوفّرَ فينا مجموعةُ معاييرَ ومُقوِّماتٍ كي نُقبَلَ، ونكونَ من أهلِ الاستحقاق.
رويَ عن النبي (صلى الله عليه وآله): «أنا وعلي أبوا هذه الأمة، ولَحقُّنا عليهم أعظمُ من حقِّ أبوي ولادتِهم، فإنّا نُنقذُهم إنْ أطاعونا من النارِ إلى دارِ القرار، ونُلحقُهم من العبوديةِ بخيارِ الأحرار»(١)، فهذه الأبوةُ مُتحقِّقةٌ بكُلِّ إمامٍ معصوم، ومن ألقابِ إمامِنا الحسين (عليه السلام) أنّه يُعرَفُ بـ"أبي الأحرار"، إذن لا بُدّ أنْ نكونَ من الأحرارِ كي نستحقَّ هذه الأبوة.
وواحدةٌ من مصاديقِ الحريةِ أو التحرُّر ما أشارتْ إليها هذه الروايةُ عن موسى بن عمير الأنصاري، عن أبيه، قال: أمرني حُسينٌ بن علي (عليهما السلام) فقالَ: «نادِ في الناسِ أنْ لا يُقاتلنّ معي رجلٌ عليه دين،...»(٢). فحقوقُ الآخرين قيودٌ تجعلُ أرواحَ أصحابِها ثقيلة، وغيرَ مؤهّلةٍ للتحليقِ في ركبِ الإمام.
والموالي الصادقُ في حُبّه وانتمائه عليه أنْ يلتفتَ لهذا الشرطِ، وليسعَ أنْ يتحرّرَ منه؛ فقافلةُ الإمامِ الحسين (عليه السلام) ما زالتْ تسيرُ ولم تتوقّفْ، وما زالتْ تنتظرُ مَنْ يلتحقُ بها مِن ذوي الطُهرِ والنقاءِ من أيّ شُبهةٍ أو حرام، تلك القافلة التي هي بقيادةِ خاتمِ ولدِ الإمامِ الحسين (عليهما السلام)، فهو الذي سيُنادي بذاتِ النداء، كما وردَ عن إمامِنا الصادق (عليه السلام) أولُ ما يبتدئُ المهديُّ (عليه السلام) أنْ يُنادي في جميعِ العالم:
«ألا من له عندَ أحدٍ من شيعتِنا دينٌ فليذكره، حتى يردّ الثومةَ والخردلةَ، فضلًا عن القناطيرِ المُقنطرةِ من الذهبِ والفِضةِ والأملاكِ فيوفّيه إيّاه»(٣). لذا فلنكُنْ ممّن لا يُكلِّفُ إمامَه ذلك، ولنتكفّلْ نحنُ بإزالتِه الآن؛ لنكونَ من أنصارِه الذين امتدحهم الإمامُ الصادقُ (عليه السلام)- في حديثٍ طويلٍ ذكر فيه خاصّة أصحاب المهدي (عجل الله فرجه)- قائلًا:
«وهم النُجَباءُ والقُضاةُ والحُكّامُ والفُقهاءُ في الدين، يمسحُ اللهُ على بطونِهم وظهورِهم فلا يشتبهُ عليهم حكم»(٤)، أي المُراعين لحدودِ الخالقِ والمؤدّين لحقوقِ الخلق.
____
(١) بحار الأنوار: ج ٣٦، ص ١١.
(٢) موسوعة كلمات الإمام الحسين(ع): ص ٥٠٥.
(٣) مكيال المكارم: ج ١، ص ٢٥٩.
(٤) دلائل الإمامة: ص٣۰٧.
|