قبل البدء في كتابة هذا المقال، وقفت لأقيس المسافات التي تفصل بين تلك الأديان السماوية الثلاثة(اليهودية، المسيحية، الإسلامية)، فوجدتها مسافات منعدمة لا ذكر لها من خلال التداخل والترابط ومدّ الجسور فيما بينها وكأنها أعمدة قائم عليها البناء الإلهي؛ فأيُّ فصل بينهما، أو إلغاء عمود من الارتكاز، يعني انهيار البناء الكلي، وبهذا الشكل الهندسي البسيط السهل، وفي نفس الوقت الصعب والمعقد، نقف بكل احترام معلنين أننا ننتمي للكل والكل يعني الواحد الأحد وهو الله (جل علاه)، فلا يمكن فصل الدين اليهودي عن المسيحي، ولا المسيحي عن الإسلام، فهي سلسلة يكمل أحدهما الآخر، فما انتهت إليه اليهودية أكملتها المسيحية، وما انتهت إليه المسيحية ختمتها الإسلامية، ومن هذا فأن الديانة اليهودية قد مهّدت للديانتين المسيحية والإسلامية، وذكرت من سيتولى الأمر بالاسم والصفة، وأجبرت من يعاصره على أن يتبعه، وإلا أصبح غير مبلّغ بهذا الأمر، وخارجاً عن مجموع الإيمان، وعليه تقع الخطيئة.
وفعلت الديانة المسيحية ما أوصت به اليهودية، وذكرت المسيحية الاسم والصفة لمتولِّي مرحلة الختام، وبهذا فأن الديانتين الأولى والثانية كانتا مرحلة تمهيد وتدرّج لرسوخ الإيمان، وفرصة للرجوع عن الخطايا والذنوب قبل الانهيار في المرحلة الختامية؛ لأنها نهاية الأديان، وقد تمّ توثيق ذلك في العهدين القديم والجديد في الكتاب المقدس.. وبهذا انقسم الناسُ بانقسام ملوكهم، منهم من رفض رفضاً قاطعاً التنازل عن الامتيازات الدينية، ومنهم من بقي حائراً، ومنهم من تنازل عن شيء لينخرط في دين الختام، وهو على قناعة فيما وجده في كتبه من اسم ووصف، ومنهم من تكبّر وقتله الحسد: كيف يكون النبيُّ من العرب من الأميين؟
ومثل هؤلاء وغيرهم نردّ عليهم بالقول: سلسلة الأنبياء وشجرتهم واحدة ينبعون من نبع بطعم واحد، وما قول الرسول محمد(ص) فيما أنزل الله عليه إلا دليل على ما ذهبنا إليه بقوله تعالى: (قُولُواْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) البقرة: 136. أما قوله عن المسمّيات والفوارق فلا صحة لها، بقوله تعالى: (أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطَ كَانُواْ هُودًا أَوْ نَصَارَى قُلْ أَأَنتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللّهُ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَتَمَ شَهَادَةً عِندَهُ مِنَ اللّهِ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) البقرة:140.
فقد جاءت هذه التسميات من قبل الناس لتغلب الأمر والصفة، فالدين هو دين الله وحده، وقوله تعالى للتكامل والتواصل وعدم الانقطاع والختام بين الأديان، قوله تعالى: (إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإْسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا) النساء:163. وبهذا فعليه أن انصهار الجميع في دين واحد، سيحلّ المشكلة بين العباد المتصارعين والمتنافسين، فيما جاء في قوله تعالى: (وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) آل عمران:85.
فالإسلام يعني التسليم لله الواحد الأحد، فليكن الكل مجتمعين تحت كلمة الإسلام، وهو السلام ليعمّ السلام، فهي ليست ديانة موسى أو عيسى أو محمد عليهم أفضل الصلاة والسلام، بل الدين كما جاء في قوله تعالى: (إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَن يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللّهِ فَإِنَّ اللّهِ سَرِيعُ الْحِسَابِ) آل عمران:19. ولكن يجب أن يكون الانصهار والدخول عن قناعة؛ لأن القناعة تعني الإيمان الراسخ الذي لا يمكن لأي قوة أن تحرّكه عن مكانه وما قوله تعالى إلا شاهد على هذا: (لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * اللّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوُرِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْلِيَآؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) البقرة: 256-257.
|