بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله المعصومين
إنَّ الإمامَ علياً(ع) آمَنَ بلا بُديّة تحرير القلب، وبضرورة الانعتاق عن عبودية غير الله تعالى، كشرط مُقوّم لنيل الكمال المعنوي، ولتنضيج الشخصية الحقيقية للإنسان، فقد جاء في إحدى رسائله(ع) أنه قال إشارة إلى ذلك المعنى -معنى التكامل الإنساني في الحركة الوجودية بشرياً في هذه الحياة-: (لا تكن عبدَ غيرك وقد جعلك اللهُ حرّاً). نهج البلاغة/صبحي الصالح/ص401.
ويعني(ع) أنّ الإنسان يمتلك الحرية البشرية ذاتياً، وبجعل من الله تعالى تكريماً لآدميته، ومن هنا يجب عليه أن يكون حراّ في حركته التكاملية إنسانياً وأخلاقياً وقيميّاً ومجتمعياً بحيث لا يسمح لنفسه أن يكون عبداً للآخرين؛ وهذه الحرية الإنسانية لن تأتِ جزافاً دونما أن يكون لطالبها ومَنْ يدركهاً وعياً ومعرفة وتربية مُمَنهجة، وبأدوات التقوى النفسية والسلوكية.
وهنا يضعُ الإمامُ علي(ع) لنا ولطالبي الحرية الإنسانية بمعناها القيمي وجودياً وحياتياً منهاجاً فعليّاً يتوفر في خطواته على حتمية تحصيل الكمال والتنمية البشرية، فيما لو سار الإنسان عليها واقعاً، وهذا ما أشار إليه(ع) بقوله الشريف: (وأيم الله يميناً أستثني فيها بمشيئة الله لأروضن نفسي رياضة تهش معها إلى القرص إذا قدرت عليه مطعوماً، وتقنع بالملح مأدوماً، ولأدعن مقلتي كعين ماء نضب معينها، مستفرغة دموعها، أتمتلئ السائمة من رعيها فتبرك، وتشبع الربيضة من عِشبها فتربض، ويأكل علي من زاده فيهجع؟ قُرَّتْ إذنْ عينه إذا اقتدى بعد السنين المتطاولة بالبهيمة الهاملة، والسائمة المرعية؟ طوبى لنفس أدّت إلى ربِّها فرضها، وعركت بجنبها بؤسها، وهجرت في الليل غمضها، حتى إذا غلب الكرى(النوم) عليها افترشت أرضها، وتوسّدت كفّها في معشر أسهر عيونهم خوف معادهم، وتجافت عن مضاجعهم جنوبهم، وهمهمت بذكر ربهم شفاههم، وتقشعت بطول استغفارهم ذنوبهم، أولئك حزب الله ألا إن حزبَ الله هم المفلحون). نهج البلاغة/ج3/ ص75.
وحقيقة تعجز الكلمات عن إشباع وتغطية المعاني العرفانية والأخلاقية والإنسانية الرائعة التي تضمّنها كلام الإمام علي(ع) في هذا النص الشريف؛ وتختنق الألفاظ نتيجة ضخامة وعظمة المعاني التي أسسها الإمام(ع) هنا في هذه المفردات القيّمة، وهي بحق لأُسسٍ عملية وواقعية ترتكز عليها هيكلية بناء وتكامل النفس البشرية أفقياً في امتدادها مع الناس، وعمودياً في حركتها تجاه الله تعالى المثل الأعلى والمقدّس، والكمال اللامتناهي وجودياً.
|