
ألقى جفاف آخر قطرة ماء في الأهوار العراقية الوسطى بظلاله على الوضع البيئي والديمغرافي في هذه المنطقة التي وصفت يوماً بـ”فينيسيا الشرق”، فهذه الأهوار الواقعة في محافظة ميسان، والمدرجة على لائحة التراث العالمي ضمن محميات منظمة اليونسكو، كانت يوماً مقصداً للسياح من مختلف أنحاء العالم للتمتع بجمالها الأخاذ ورقصات طيور الفلامنكو الوردية، وذلك قبل أن تعاني من انخفاض كبير بمناسيب المياه حتى الجفاف الكامل.
يبدو أن اثار اللسان الملحي القادم باتجاه شط العرب والذي سببه قلة الاطلاقات المائية التي تعمل على دفعه باتجاه الخليج مجددًا، سجل اثاره غير المباشرة على الاهوار في ميسان وذي قار، عندما قامت الحكومة على حرمان هذه المسطحات من المياه وتوفير حصصها لإطلاقها باتجاه البصرة لدفع اللسان الملحي، الامر الذي تسبب بجفاف وموت العديد من الاهوار من ضمنها المدرجة ضمن قائمة اليونسكو للتراث العالمي، بالإضافة الى موت الأسماك في البصرة وذي قار تارة بسبب الاملاح وتارة أخرى بفعل الجفاف ونقص المياه.
موت الأهوار
بالمقابل، لفظت العديد من الأهوار والمسطحات المائية أنفاسها الأخيرة وأضحت مجرد أراض طينية متفطرة، حيث عانت الأهوار الوسطى في محافظة ميسان، من انخفاض كبير بمناسيب المياه لشهور عدة أسفر عن جفافها بالكامل حتى المدرجة على لائحة التراث العالمي ضمن محميات منظمة اليونسكو، منذرة بكارثة بيئية وتغيير ديمغرافي يزيد الوضع سوءا، فيما جاء الانخفاض بفعل قلة الامطار بالإضافة الى انعدام الواردات المائية من قبل الحكومة الاتحادية التي اختارت بدفع جميع حصص المياه باتجاه البصرة لدفع اللسان الملحي.
وحول هذا الموضوع تحدث الناشط البيئي العراقي من محافظة ميسان، أحمد صالح لـ”سبوتنيك”، قائلا: “الأهوار الوسطى في المحافظة والتي هي جزء من الأهوار التي أدرجت على لائحة التراث العالمي في اليونسكو والمشتركة مع ذي قار تعاني من شح مائي كبير أدى إلى جفافها بشكل كامل بضفتيها (البطار والعودة)”.
وأضاف صالح أن: “ضفة العودة من الأهوار الرئيسية والأساسية في ميسان وهي ليست فيضية موسمية بل أصيلة موجودة، وعانت من شح كبير في المياه أدى إلى جفافها ..واليوم انتهت الأهوار الوسطى بشكل كامل بسبب قلة واردات المياه التي تأتيها”.
وأوضح، أن وزارة الموارد المائية تدفع بحصص مائية باتجاه ميسان قادمة من أسفل سد الكوت، بدورها تأخذ المحافظة حصتها ثم تبعث حصة البصرة من ناظم قلعة صالح والذي يسمى ناظم الكسارة.
وأكمل صالح: “بالتالي لدينا حصة مائية تذهب باتجاه البصرة والتي هي جزء منها للاستهلاك الداخلي وجزء لدفع اللسان الملحي القادم من المد من الخليج العربي بالتالي حصة ميسان للاستهلاك البشري والصناعي والزراعي”.
وتابع، أن: “الحصة الزراعية مضمونة ومتوفرة لكن الفلاحين الذين يزرعون خارج الخطة الزراعية تضررت مساحاتهم الزراعية بشكل كبير”.
ولفت صالح إلى أن: “تدهور الأهوار الوسطى والأهوار الشرقية بشكل كبير جدا .. وأن نسبة المياه قليلة فيه إلى حد كبير وينذر بكارثة بيئية فيما لو تأخر المطر في هذا العام”.
وأوضح أن وزارة الموارد المائية لم تطلق كميات خاصة لهور الحويزة والأهوار الشرقية، وليس للعمارة بشكل عام.
نفوق اﻷسماك
وأعلن صالح نفوق كميات كبيرة من الأسماك إثر جفاف الأهوار، وأن بعض الناشطين قد بشروا قبل الحدث عبر منشورات لم تكن صحيحة وكانت مرفقة بصور تعود للعام الماضي، لكنها جفت الآن بشكل كامل وتحديدا الجزء الميساني لأن الأهوار الوسطى مشتركة بين 3 محافظات والثروة السمكية انتهت بذلك الجانب.
وذكر، أن الثروة الحيوانية تضررت بشكل كبير، مشيرا إلى أن هذه الثروة أغلبها من الجاموس وهي مملوكة ورعاتها ينزحون إلى مصادر المياه الأمر الذي ينذر بتغيير ديمغرافي كونهم سينزحون باتجاه المدن حيث النهر أقرب لها.
وتوقع أن يمتهن المزارعون والصيادون مهنا أخرى ليزاحموا أبناء المدينة على مهنهم وتتصحر الأراضي في حال لم تعالج المشكلة.
ونوه صالح، إلى أن مشكلة الجفاف تصادف الأهوار في كل الأعوام، والخلل يعالج إما من خلال الأمطار المبكرة أو بفتح الخزانات المائية من سدود، الموصل ودوكان والثرثار وسامراء وغيرها من السدود الموجودة في العراق.
واختتم الناشط البيئي العراقي، مؤكدا أن مناسيب المياه في الأهوار الوسطى جفت تماما ولم يبق منها سوى سواقي قليلة تذهب لبعض القرى للاستخدام البشري والحيواني، أما الهور انتهى تماماً.
وأطلق أبناء محافظة ميسان، خلال الأعوام الماضية حملات لإنقاذ الأهوار في مدينتهم، عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وبثوا من خلالها صورا تظهر الجفاف الذي أكل من جسد نهر دجلة، لدرجة أن الأطفال نزلوا إلى منتصف النهر الذي جف تماما، للعب الكرة والمرح بالتراب.
واستطاع العراق، أن يدخل بأهوار ميسان، على لائحة التراث العالمي، بعد أن كانت تواجه الجفاف والهلاك لسنوات طويلة وحدها دون منقذ، لتموت معها نباتات القصب والبردي التي استخدمها السومريين للكاتبة المسمارية العائدة إلى آلاف السنين قبل الميلاد.
اللسان الملحي يبتلع أسماك البصرة
وزارة الزراعة قالت في بيان إن “ما حدث من اضرار وهلاكات للأسماك نتيجة حالة نفوق الأسماك في محافظة البصرة هو ليس لأسباب مرضية كما تم تداوله من بعض وسائل الاعلام”، مشيرة إلى أن “ما حصل للأسماك النافقة جاء نتيجة صعود اللسان الملحي من البحر الى شط العرب وبنسب عالية مما أدى الى هلاك الأسماك النهرية مثل البلطي والبياح، فضلا عن الكثير من الأسماك التي تعيش في المياه العذبة”.
وأوضح الباين أنه “ليس هناك أي إصابة مرضية بالأسماك النافقة، وإنما تداعيات ارتفاع الملوحة تسببت في انهيار المنظومة البيئية للأحياء المائية في انهار واهوار محافظة البصرة بالإضافة الى الاضرار في العديد من المحاصيل الزراعية في المحافظة”.
وأشار إلى أن “الوزارة تدعو الى اطلاقات مائية عاجلة لتدارك هذا الامر والحد من تداعياته على الاحياء المائية وخاصة الثروة السمكية”.
المصدر: سبوتنيك
|