• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : زاد الحضارة من المحبرة إلى المقبرة الجزء الثالث .
                          • الكاتب : د . نضير الخزرجي .

زاد الحضارة من المحبرة إلى المقبرة الجزء الثالث

 زائد أسوأ من ناقص:
تتعرض طباعة الكتاب للعرض والطلب حسب مقتضيات السوق، وهو أمر تعارف عليه المشتغلون في حقل الطباعة بخاصة في العقود الأخيرة، وحال الكتاب وطباعته في عالم اليوم كحال السلعة الاستهلاكية والكمالية، فمجموعة من الكتب تخرج من تحت أسنان المطابع حتى وإن لم تكن ذات قيمة عالية، وأخرى لا ترى باب عتبة الكاتب وإن غلت مقاصدها، وصاحبها لا يملك مصروف عياله، وثالثة تراوح مكانها بين الكاتب والناشر، أسيرة حسابات السوق، وهناك من لديه المال يصرفه في إصدار الكتب الواحد تلو الآخر له أو  لغيره حتى وإن كانت المادة سرابية المعاني، مجدبة المضامين، ولا تحمل أسطرها رسالة بعينها.. فالنشر عند هذا البعض هو الأول والآخر حتى وإن انعدم سوق القراء، والبعض الآخر يظل يجتر الطبعة تلو الأخرى، مستفيداً من أموال المتبرعين، وربما يهوى تغيير عنوان الكتاب في كل طبعة ليوحي للقارئ تعدد إصداراته وكتاباته..
 وهناك من يُلجئه ضعف الحيلة إلى استغلال الآخرين ليكتبوا له، ثم يضع اسمه عليه مقابل أجر زهيد، حتى يظن الناس أنَّ له في كل علم باعاً، أو ربما ليصل لسقف معين قطعه على نفسه في عدد المؤلفات، مع أنه يملك من الكتب ما تغنيه سمعة ورفعة. 
وأذكر أن أحد الأصدقاء طلب منّي أن أكتب له رسالة جامعية مقابل أجر معقول، فنصحته أن يجهد نفسه في كتابة الرسالة على أن أقوم ودون مقابل في تنقيحها وتعديلها وتحريرها، لكنه رفض توصيتي وانقطع عن الدراسة..! والبعض الآخر وتحت عنوان صلة الرحم أو التقدير والتكريم لعلم من الأعلام أو لفقيد منهم، يعمد إلى مواصلة كتابة سلسلة كان قد بدأ بها الفقيد فينسب الجديد إلى الفقيد..! ومثل هذا الأسلوب من الكتابة يسيء إلى العَلَم الفقيد، بخاصة عند مقارنة أدب الكتابة في الصادر سابقا والصادر لاحقاً، لاسيما إذا كان أدبه قوياً، فيأتي الجديد معيباً دون المستوى، والبعض الآخر ومن أجل زيادة عدد المؤلفات يعمد إلى الاستخدام السيئ لحجم الخط، حتى يأتي الكتاب الواحد في أجزاء عدة.. ومن سيئات عالم الكتاب أن يتم سرقة الكتاب ونسبته إلى غير صاحبه في حياة صاحبه أو بعد مماته، وهذه سرقة ليست لحقوق طبع، وإنما لشخصية بكاملها واستئصالها من عالم الوجود.
كل هذه الأمور وغيرها يمكن ملاحظتها من خلال تتبع معجم المصنفات الحسينية؛ ولأن التحقيق هو من أوليات الباحث عن عين الحقيقة ولبِّها، فإن المؤلف الكرباسي وهو يستعرض الكتاب، يبدي رأيه فيه بخاصة في مقام التقييم والتقويم والنصيحة، فعلى سبيل المثال يرى في أحد الكتب الخاصة في إعداد خطيب المنبر الحسيني لأحد خطباء المنبر الحسيني، أن مؤلفه لم يفلح في كامل مبتغاه، حيث صاغ الكتاب على شكل دروس: (وقد أراد أن يجعلها مادة للتدريس في فن الخطابة، إلا أنها لم تكن كذلك، حيث ينقصها الموضوعية حتى تكون مؤثرة وناجعة وتخلق عند الطالب القناعة).
إذن .. فالعبرة من التأليف ليس في كثرته بقدر رساليته وهدفيته، كما ليس العبرة بكسر الرقم القياسي إذا كان الإنتاج دون المستوى أو مكروراً أو منحولاً، أو مستنسخاً أو منقولاً، أو مدفوع الثمن، فالمؤرخ ابن خلدون عبد الرحمن بن محمد (732- 808هـ) وعلى سبيل المثال، اشتهر بمقدمته مع أنها هي جزء من ثمانية أجزاء كبيرة في التاريخ أسماه (كتاب العبر، وديوان المبتدأ والخبر، في أيام العرب والعجم والبربر، ومن عاصرهم من ذوي الشأن الأكبر). واشتهر المرجع الديني النائيني محمد حسين بن عبد الرحيم (1273- 1355هـ) بكتابه (تنبيه الأمة وتنزيه الملة) مع أنّ له الكثير من المؤلفات، واشتهر المصلح السوري الكواكبي عبد الرحمن بن أحمد (1271- 1320هـ) بكتاب (طبائع الإستبداد) رغم مؤلفاته الأخرى.




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=158760
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2021 / 07 / 31
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 15