لأن فلسفة الحق ترتكز مفهومياً على الإرادة والحق، لذلك تكون للعلاقة ملكية بين الانسان وذاته، وهي بداهة نسيج الأخلاق الموضوعية بين نشوء المجتمع وتفككه، وعلاقة الإرادة الحرة بالأشياء وعلاقة الإنسان بالإنسان تكون فعلاً طوعياً إرادياً حين تتعاقد مع جوهر الماهية لذات الوجود، والتشابك بلغة الترابط دون الانفصال عن رأسمالية العقل وهو الصدق في العلاقة الذي يميز ما يشير إليه من طفح الواقعية الفائض بقوله، من غير أن يتجسد بمفهومية الغاية او تعسف الحق... فقط انه يزيح ما طغى على نفسه من طابع يترجمه عن ذاته، ان كان يحمل التجلي او كان يعبر عن استلاب واستبداد بروحه، فكلتا الحالتين تتصارعان في ميدان الروح، وهذا طابع عن فلسفة الإرادة وعدم الارادة في تقييم الشعور الذي يصدر فعلاً، وهذا الفعل يجعل الانسان منفصلاً عن مجتمعه، مغترباً عن شكله الموجود، حينها يتحكم يشعر بالاشباع عندما يفرغ قوته الشعورية بلا حدود، حين يفاوض الملأ من أجل حركة ثائرة تتجلى بموضوعية بروحه كأنها النقطة القصوى لتوحيد مبدأية ذاته...
هذا من وجهة علم المنطق وفلسفة الروح يطفو الحق بشكل لا تستطيع إلغاءه بأي نظرية... هنا نستطيع القول: إن حب الحسين دخل فلسفة الدين، واستطاع تقدير ماهية الروح ومعالجتها أيضاً، وكان له الوظيفة في استنباط شخصية الشخص، وتجزئة مناخاته النفسية، وانفعالات المحب لأهل البيت (عليهم السلام) هي عرض عن صراع هذه الناحية.
وان كان الفرد متأثراً بمحدودية ما ضد هذه الفكرة، فهو أيضاً يفكر في تضاد موقف يلخصه بالمهاجمة المنطقية، محتفياً لإدراك فلسفته أيضاً.
وبصورة أوضح، إن مسألة فهم نهضة الإمام وأهدافها التعليمة بمثابة كفاح حد من ذات موضوعية الشهادة في سبيل المبادئ السامية، وان الارتباط العاطفي المتمثل بإقامة العزاء بأشكال مختلفة هو في الحقيقة تثبيت التشيع والرفع من مستواه؛ لأن بذلك سيبقى الاسلام مصوناً، والنهضة الدينية في شعبية المناسبة تؤدي الى انتقال ثقافة الشهادة من جيل لآخر؛ كي لا تخفى تضحياته عن التيار الفكري وجوانبه السياسية والاجتماعية.
وغرس ذكرى عاشوراء في الإحساس بشكل خاص هو الانجذاب المقدس للإمام الحسين (عليه السلام) وإدراكاً لأهدافه.
وإن التفكير الدائم والمستمر في طريق الوصول إلى الله تعالى يفرش طريقاً محكماً وصلباً للسالكين نحو معرفته، كما يقول الإمام علي (عليه السلام): (بصنع الله يستدل عليه، وبالعقول تعتقد معرفته، وبالتفكر تثبت حجته، معروف بالدلالات، مشهور بالبينات) (مسند الإمام علي (عليه السلام): ج17).
وإن التمسك بالبراهين العقلية أمر مطلوب من أجل الوصول إلى المراتب العليا، وإحدى فقرات دعاء عرفة للإمام الحسين (عليه السلام): (إلهي اجمعني عليك بخدمة توصلني إليك) حول هذا المعنى أن الحسين هو تشخص للذات الإلهية اللامتناهية بحسب تضحياته، وأهداف ثورته، وعظمة صبره اتجاه ما أريقت من دماء زكية من أجل ثبات حدود الدين التي حاول يزيد وعبيد الله بتشظيها وخرقها متأزرين جلباب الفسق.. وبعد كل هذا الظهور والمظهرية الحقيقية من الله تعالى المتجلية بنوره الحسين (عليه السلام) أيكون لنا ذات سواه أو وجود مطلق سواه، ومعرفته من خلال تلك الشعائر التي أضاءت ظلام الماهيات بنورها ورؤيتها ومعرفتها والاستمرار عليها، وحتى الجنون بها هو ذاك الوجود الظاهر بذاته.
وعليه، فإن كل مراسيم العزاء على مختلف الأصعدة الدينية والسياسية والدنيوية لا يمكن أن تتعرض للتحليل العقلي؛ لأنها انعكاس لأمر قدسي، وأنها أمر عبادي مستند بشرط عدم ارتكاب المحرمات.
|