ربما لأول وهلة لا تعجبك هذه العبارة ، ولا تهتم لما بعد السطور ، فضلاً لما بينها ، لأنها كلمة ( لا تسمن ولا تغني من جوع ) مجرد كلمات يسطرها كاتب جلس على التبريد ( السبلت ) ليكتب ما يحلو له من الترف الفكري ، لينشر مقال هنا ومقال هناك ، فلا يهمني ما يكتب ( هذا رأي القارىء ) لأن الواقع شيء ، وما على الورق من كلمات شيءٌ آخر .
فترتسم على شفة القارىء ابتسامة بائسة ، قد نفض أنامله يأساً من اي عملية إصلاحية في هذا البلد أو بصيص أمل لحصوله على البعض البعض من حقوقه .
وهو يقول : في داخل نفسه أية حسٍ وطني يتحدث به هذا الكاتب ، وأنا لا أكاد استعذب طعم الكهرباء ، وانعم بنومة هانئة ليلاً بتيار متواصل ولو لمدى أربع ساعات مثلاً ، أو وقت الظهيرة حيث الشمس تلهب الشوارع بحرارتها فلا اكاد أصل إلى البيت منهك القوى ، وقد ابتل قميصي أو ثوبي ( دشداشتي ) بالعرق ، وهو ينساب على جسدي من ها هنا وها هنا ، كأن وجهي تلفحه حرارة جهنم ، فما اكاد أصل إلى البيت حتى استحم واسترخي تحت التبريد واغط في نومٍ عميق متناسي كل تلك المعاناة .
لكن ما إن ادخل الى البيت حتى أسأل ( مولدة لو وطني ) حتى كرهتُ وطني من كثرة انقطاع التيار الوطني . وأنا وعائلتي نتقلى بين ( شغل ابو المولدة ، اجت الكهرباء ، انقطعت الكهرباء ، منتظر يشغل ابو المولدة ) ونحن مثل السمكة ( بالطاوة ) نتقلب بين زيت العرق وحرارة الصيف في عراقنا الحبيب ،لا حرارة أي بلد .
ولا تسمع مني ومن غيري غير اللعن والسباب والشتم ، للحكومة ووزارة الكهرباء ومن يمثل هذه الحكومة ، وأبو المولدة .
فيا عزيزي ( والكلام للقارىء ) فعن أي حس وطني تتحدث أيها الكاتب ( رحم الله والديك ) .
لكن أقول ثمة هناك نماذج البعض شاهدتها بعيني والبعض سمعتُ بها ، من دول مجاورة لنا وغيرها عن تصرفات بعض مواطنيهم ، يعبر عن الحس الوطني ، أو الإحساس بالانتماء لهذا البلد ، وعلى سبيل الإختصار اذكر نموذجين .
النموذج الأول : ما حصل لي شخصياً
في سنة ٢.١٤ أخذت ابنتي لإيران لإجراء فحص لها لظهور ورم خلف العين ، وقد عجز أطباء النجف وبغداد عن تشخيص هذا الورم ونوعه ، وكل ما حصلته منهم مجرد إحتمالات ، ومع كل احتمال هناك علاج ، فنصحني البعض بإختصار الطريق بالسفر بها إلى خارج القطر مع تخييري بين السفر إما ( للهند ، أو لبنان ، أو إيران ) وقال لي : الهند هي الأفضل ، لكنها الأغلى ، ولبنان كذلك ، فما كان مني إلا اخترت ( إيران ) لأنها الأقرب والأرخص ، فسافرت وبعد عرض ابنتي على الدكتور .
قال : لابد من العملية ، ولكن قبل العملية لا بد من زراعة عينة من الورم لمعرفة نوع هذا الورم ( حميد أم خبيث ) وفعلاً تمت أخذ عينة وزراعتها في مختبر في العاصمة طهران ، وعند مراجعة الطبيب الذي هو مشرف على العينة ، كان كل مراجع يتأخر عنده قرابة نصف ساعة أو ثلاثة أرباع الساعة إن لم تكن ساعة كاملة ، فاصابني الملل من تأخر المراجعين عنده حين الإنفراد معه في غرفته الخاصة ، بالرغم من قلة عددنا نحن المراجعين ، وما أن وصل الدور لي بعد طول انتظار ، حتى دخلنا عليه ، وكان رجلاً كبيراً تقدم به السن ، وقد ملأ غرفته من الشهادات التقديرية من زمن الشاه حتى الخميني .
وبعد التدقيق في التقارير .
قال له المترجم : الإخوة ضيوف علينا من العراق
فقال : أهلاً وسهلاً بالضيوف
فقال له المترجم : أنك تتأخر مع المراجعين وتدقق كثيراً
فأجابه الطبيب : أنا أعمل هكذا واتاخر مع المراجع لأمرين
الأول : عملنا يتطلب الدقة والفحص الشديد ، لأن ارواح الناس بإيدينا.
والثاني : سمعة بلد
وخاصة يأتونا ضيوف للعلاج من مختلف الدول
فلا بد أن نحافظ على سمعة بلدنا .
واقعاً اندهشت من هذا الكلام ( سمعة بلد ) من أين تربى هذا الحس الوطني لدى هذا الطبيب .
النموذج الثاني : ينقل لي صديق وهو دكتوراه في علم الإقتصاد ، إنه عندما كان يدرس في ( ماليزيا ) كان معه عراقي
قد استأجر شقة صغيرة ، وكان نظام الدولة ، أنه إذا ينصب ستلايت لا بد يكون بعلم الدولة ، وهي التي تسمح للقنوات التي يريد الإشتراك بها .
فيقول الدكتور : اشترى صحن صغير ووضعوه في الحديقة بين الأشجار ، فزاره ذات يوم زميله في الدراسة مواطن ماليزي
فرأى ذلك الصحن فسأله ما هذا ؟
قال له إنه عاطل ، اتريده قال : لا
يقول : بعد أن خرج هذا المواطن الماليزي ، ما هي إلا دقائق وإذا بالبوليس يطوق الدار ، وجاءوا مباشرة للصحن وصادروه ، ودفع ذلك الشخص غرامة لمخالفته للقانون .
فأقول : من أين يأتي هذا الحس الوطني .
هل أن الحكومة هي التي تزرع فينا هذا الحس ؟
أم المدرسة تربي ذلك فينا ؟
أم الوالدان يزرعان فينا ذلك الشعور ؟
أم نحن يجب أن نربي أنفسنا على ذلك الحس . بغض النظر عن كون الحكومة تخدم الشعب ، أم أنها عدوة للشعب .
والواقع اقول هي نعم تظافر هذه الأركان الثلاثة ( الحكومة ، المدرسة ، الوالدان )
لكن الأمر الأول والأخير يعود لي أنا ، وانت أيها القارىء ، فالتغيير منا ولنا يعود .
|