ليس هناك مسألة كثُر الحديث عنها في أوساط المجتمع العربي المسلم كمسألة الحجاب، فما بين مؤيد ومعارض امتلات صفحات الجرائد والمجلات، وأُلفت الكثير من الكتب والكتيبات، فضلاً عن صفحات الانترنت التي تحفل بعرض هذا الموضوع مرة في صورة النقاش، ومرات بصور أخرى.. ولا زال الكثير ممن تأثر بالثقافة الحديثة يرى أن قضية الحجاب تابعة للأذواق والحريات الشخصية، ولا علاقة لها بالتشريع، فما دامت حرية المرأة مكفولة في ظل أي مجتمع فمن حقها أن (تستخدم) هذا (الاختراع) او لا تستخدمه، فهي حرة ضمن ما يعرف بـ(الحرية الشخصية) أن تضعه أو لا تضعه، وكأن هذا الشيء (الحجاب) واحد من الملحقات غير الضرورية في بعض الاحيان؛ وما اشدَّ ما ابتلينا به في السنين الأخيرة من دخول موجات جديدة من الثقافات التي يعتبرها أناس من ضرورات العصر، ويعتبره بعضهم فتنة مقصودة، تستهدف بلاد المسلمين لتجريدهم من روح الاسلام، ويظل قسم قليل من الناس ينظرون للموضوع نظرة أشمل، لا تختص بالمسلمين حسب، بل تشمل جل شعوب العالم وثقافاتها، لتُضرب بالصميم، حتى لا تبقى في الارض قوة تستمد بقاءها من القيم الأصيلة لتاريخ الشعوب الحافل بالثورات، فيكون المستفيد من ذلك من يحمل شعار (فرِّقْ تسُدْ).
ولازال الكثير من النساء يتذرعن بعشرات الحجج كي يتحللن من هذا القيد الثقيل، وليتماشين مع روح العصر القائم على السرعة، وصرعات الموضة، وادعاء المساواة بالرجل الذي صار أحد المبررات حتى لا تتقيد المرأة بقيد أو شرط.. ولو رجعنا الى جذور هذه المبررات، لوجدناها بعيدة كل البعد عن قيم مجتمعنا، فضلاً عن حدود الله تعالى التي نتعبد بها في ديننا, ولو كان من يتذرع بهذه الحجج والذرائع صاحب دين، لما وصل الحال بنا الى ما وصل اليه, فمما يوصي به الدين أن تكون المرأة بمنأى عن النظر المحرم؛ لأنه مقدمة لما هو اخطر من ذلك، من الاختلاط المحرم والزنا والعياذ بالله بل الى اشد من ذلك.. ومما يوصي به الدين قول الله تعالى في سورة النور الآيتين 30-31 والتي تبدأ بـ: (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ..)، فالأمر الموجه للرجل في الآية الأولى هو غضّ البصر، وحفظ الفرج.
أما في الآية الثانية، فالأمر موجه للمرأة بأن: 1- تغض بصرها 2- تحفظ فرجها 3- لا تبدي زينتها 4- لا تضرب برجلها الأرض حتى لا يظهر شيء من زينتها.. وقد حدّد علماؤنا الأعلام اعتماداً على روايات أئمة أهل البيت عليهم السلام ما يندرج ضمن مصاديق الزينة الواجب اخفاؤها عن الاجنبي، وفصّلوا كذلك الآداب المعنوية التي ينبغي للمرأة ان تلتزم بها، حتى لا تقع في المحذور واعتماداً على القرآن الكريم والروايات الشريفة كذلك.. فمن ذلك ان لا ترقق المرأة صوتها في حديثها مع الرجل، وان لا تطيل الكلام في غير الضروري مع غير المحارم، وان لا تمشي بكيفية تثير الفتنة في نفوس الرجال.. الى غيرها من الآداب.
لكننا وبدل ان يكون الدين والموروث الخلقي العربي الأصيل هما الوازع لتصرفاتنا، بدأنا نستورد ثقافات الغير لنجعلها الانموذج الأمثل للسلوك والتفكير، وبدأت المصطلحات الغربية الدخيلة تأخذ حيزاً كبيراً في مجتمعاتنا، حتى بات – وحسب فهمهم - الملتزم بالدين متخلفاً, والباقي على أخلاق الاباء والاجداد من العفة والحياء والغيرة معقداً..! وأصبحنا حريصين على محاكاة ما يعرض في الفضائيات من صيحات الموضة، وتقليعات قص الشعر، الى غير ذلك مما لم ينزل به الله من سلطان، وكأنه فرض علينا فرضاً, وتحول مفهوم الحجاب الى قطعة من القماش تلفها المرأة على رأسها، أو غلالة خفيفة يسمونها (الحجاب الاسلامي) تلبسها لاتستر منها اكثر مما تكشف، تحاكي بدنها وتشفُّ تلك الغلالة عمّا تحتها، ويتميز هذا (الحجاب) بأنه غير مُعتَرَض عليه، وانه خاضع للتصاميم التي تتفنن وتتسابق دور الأزياء باجراء التغييرات عليه، ابتداءً بهيأته، ومروراً بألوانه، وادخال الزخارف عليه، وانتهاءً بما لا يعلمه إلا الله...
|