لم تكن المصادر النقلية على مرِّ التاريخ محل تلاعب وتحريف إلا من قبل المتسلطين على رقاب المسلمين، ممن أثروا الرواة والمحدثين، واشتروا ضمائرهم في سبيل وضع أحاديث كاذبة، أو سحب بساط الفضائل من تحت أهلها، ونسبتها إلى دافعي الدينار والدرهم...
وليس هذا فحسب، بل الاقتباس المؤدلج المبني على المكر والخداع، وتضليل السذّج من الناس، كما فعل الطليق معاوية بن أبي سفيان، عندما طلب من أحدهم نسبة آية إلى الإمام علي بن أبي طالب (ع) تكون سُبّة له، فقال له اللعين: لقد نزلت بحقه هذه الآية: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيُشْهِدُ اللهَ عَلى ما فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصامِ * وَإِذا تَوَلَّى سَعى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيها وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللهُ لا يُحِبُّ الْفَسادَ)..!!
فظاهرة الاستشهاد بالآيات القرآنية، والأحاديث في دعم الآراء والتوجهات المنحرفة ليست بالأمر الجديد، واستغلت أبشع استغلال من قبل المناوئين للدين الإسلامي، وظلت تلك الآفة تسري ليومنا هذا من خلال بعض الأقلام الطامعة بالزائل من حطام الدنيا، يروّجون (للاشيء) غير إرضاء نفوسهم الأمّارة بالسوء، ينتعلون (أناهم) المريضة، يقتاتون من مصادر النقل الشريفة ما يشفع فقط لنيل مآربهم والإطاحة بالآخرين، وكأن تلك المصادر ما وجدت إلا للإنتقاص والتخريب..؟!
إن عملية الاستشفاع بالمصادر النقلية (القرآن الكريم، والحديث الشريف، ونهج البلاغة، وكلمات سائر المعصومين عليهم السلام)، ما هي بالحقيقة إلا وسيلة علمية لرفد الفكر، وتقوية البحث أو المقال ليخرج سليماً معافى، قوي الحجة، قادراً على حماية الفكرة والرأي بالأسلوب المنطقي الرصين... لا أن نستغل تلك الأحاديث الشريفة، والمصادر المعتبرة، والخطب الشريفة، كتلك الموجودة في نهج البلاغة، لنلصق بعض مصاديقها السلبية، (جهلاً بالتفسير، أو التأويل، أو مناسبة النص والظروف المحيطة به)، والتهجّم بها على من يخالفوننا الرأي زوراً وبهتاناً، ولو في أبسط الأمور، مستغلين فسحة الحرية التي وهبها لنا الباري (عزَّ وجل)، من فضاء إعلامي رحب، ومناخ خصب للتعبير عن التوجهات المختلفة، بعيداً عن القسرية والتقييد...
|