• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : ثقافات .
              • القسم الفرعي : ثقافات .
                    • الموضوع : أدواتُ التشكيل الجمالي لروميات أبي فراس الحمداني الحلقة الأولى .
                          • الكاتب : صابرين نعيم مختاض .

أدواتُ التشكيل الجمالي لروميات أبي فراس الحمداني الحلقة الأولى

  كثيراً ما يقف المرءُ حائراً في الكيفية التي يجب فيها أن يقابل شخصية ما لا يعرفها، وإذا عرفها فلا يعرف إلا القليل، ومانقل عن المؤرخين، فكيف اذا كان ذلك الشخص المقابل هو (أبو فراس الحمداني)، وان الحيرة التي واجهتني هي من أي جهة أدرس تلك الشخصية الفريدة في زمانها، ومن هنا يأتي التهيب من تلك الشخصية. وامتلكتني رهبة عندما نويت أن أضعَ مقدمة ولو بشيء من الايجاز عن ذلك الشاعر الذي يعد بحد ذاته علماً مترامي الأطراف، فوجدت أن أتعرف على تلك الشخصية وهي في عالم الطفولة.

 فقد ولد أبو فراس ابن الحارث بمنبج وعاش في بلاط الامارة بحلب في كنف سيف الدولة يفضله ويقربه، وهو بدوره يمدح ابن عمه ويشيد بمآثره.. وان الذي ألفت نظري في شعره هي رومياته - وهي قصائد قالها في أسره - فدرستها دراسة فنية متخذة من أدوات التشكيل الجمالي بما فيها اللغة والصورة والموسيقى ميداناً للبحث.. فوجدت أن العمل الفني تتضافر فيه كل أدوات بناء القصيدة لاحيائها واخراجها في بنيتها النهائية الى عالم الوجود.. نعم ! فالشعر عند أبي فراس ينبوع يتدفق من وجدان الشاعر ومشاعره دون تكلف، ليناً رقيقا تارة وثقيلاً تارة أخرى.

البحث الأول: اللغة

 إن معرفتنا بالكيفية التي تعامل بها أبو فراس مع أدوات التشكيل لانشاء شعره في اطار سياقه التاريخي والاجتماعي، تضع أيدينا على بنية موقفه الجمالي، ومن ثم على أبنيته التشكيلية الخاصة، ولاشك في (ان ماهية الشعر هي كيفية خاصة في التعامل مع أداة عامة هي اللغة، وتبتدئ هذه الكيفية في طرائق مخصوصة تؤلف بين الكلمات، وتنظمها للوصول الى أنظمة وأنساق وتراكيب وأبنية تفجر الطاقة الشعرية في الواقع، وتخلق موازاة رمزية لهذا الواقع، ومن ثم لايعود (مشكل) الشاعر تأسيساً على هذا مشكل توصيل، وانما مشكل تشكيل(1). 
 ومادام الأمر كذلك، فان الشاعر لا يكون مهتماً أصلاً بالتوجه الى غرض سمعي الى التعبير عنه. ولايكون مشغولاً بمعنى يسعى الى توصيله، ولكن اهتمامه يكون موجهاً الى أن يثير في اللغة نشاطها الخلاق، حتى يكتمل له التشكيل الجمالي الذي يعادل أو يوازي واقعه النفسي والفكري والاجتماعي.. وكما واجه الشاعر واقعه التاريخي والاجتماعي بموقفه، فانه يواجه خبرة مجتمعه الفنية مواجهة جمالية خاصة لأدواته.. واللغه في الشعر ليست ألفاظاً لها دلالة ثابتة جامدة، ولكنها لغة (انفعال حسرته)(2). وهذا يعني أن اللفظ لايعني المعنى ذاته عند كل الشعراء الذين يستخدمونه، إذ يتسع معناه أو يضيف دلالة ومفهوماً تبعا لما يبثه فيه الشاعر من طاقات، وما يشحنه فيه من ذات نفسه، (فليست الألفاظ - إذَنْ - في بساطتها أو جلالها هي المحك، ولكن الطاقة أو العاطفة أو الحركة التي يتبعها الشاعر هي التي تحدد قيمتها)(3). 
 وبما أن القصيدة هي تشكيل جمالي معبر لموقف معين، فلا تعدو أن تكون بنية لغوية متركبة من عناصر عديدة تتفاعل مع بعضها وتتآزر لتنجز هذا التشكيل؛ فالشاعر دائماً يبحث عن المفردة الشعرية التي تستطيع أن تبلغ مايروم إليه للتعبير عن نفثات نفسه، فيجد مادة هذه المفرده في المعاجم وفي الموروث وعلى ألسنة الناس في بيوتهم وفي الشارع، وحسب تأثرها بروح العصر الذي يعيش فيه الشاعر، معبرة عن القيم الأخلاقية والدينية والاجتماعية، وهذه إحدى مهام اللغة؛ لأن اللغة شأن عام من شوؤن المجتمع، ولكن يبقى هذا الاستعمال العادي للغة(4). ولكنها في الشعر تكتسب طابعاً خاصاً، فالشاعر لا يقف عند عموميتها ويتحول بها الى صوت شخصي بأن ينظمها من خلال رؤيته وموهبته في أغنى الأشكال تأثيراً، مستثمراً دلالتها وأصواتها وعلاقات بنائها على نحو فريد.
 
-------------------------------------------------------------  
1-  مداخل الى علم الجمال، عبد المنعم تليمة 99.
2-  الأسس الجمالية في النقد العربي، عز الدين اسماعيل 340. 
3-  الشعر كيف نفهمه ونتدوقه. الزابيث دور 89.
4-  لغة الشعر الحديث في العراق 9.




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=157830
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2021 / 07 / 07
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 16