يُذكر أنه في أيام الفتح الإسلامي في زمن الرسول الأكرم (ص) وبعد أسر المشركين في معركة بدر، قال للمسلمين: لا تقيدوهم، وعلى كل أسير أن يعلم عشرة من المسلمين القراءة والكتابة مقابل إطلاق سراحه، فغمر الفرح وجوه المهاجرين والأنصار والأسرى كذلك.. وعندما جيء بأسرى الفرس بعد فتحها من قبل المسلمين إلى المدينة المنورة، وبعد أن قام الخليفة باستعراضهم، أمر بأن يوزعوا على أفراد الجيش الإسلامي.. أما بالنسبة لبنات الملك (يزدجرد) وأحفاده، فأنهم ظلوا يرقبون في ذل وانكسار عملية التوزيع، وهم يتساءلون عن مستقبلهم المجهول، بعد أن كانوا ينعمون بأسباب العز والجاه الرفيع والحياة الرغيدة والقصور الفارهة.. فلم يمر وقت طويل على وقوفهم أمام الخليفة ليروا مصيرهم، حتى تقدم لهم الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام فقال: لقد سمعت رسول الله (ص) يوصي باحترام كبار القوم وأشرافهم، ومراعاة قدرهم وكرامتهم، وأن هؤلاء الأسرى ذوو حسب رفيع، ولا يحسن بنا كمسلمين أن ندعَهم في الأسر، وأنا أعلن عتق نصيبي منهم لوجه لله تعالى ورسوله.

 وكانت مبادرته هذه من الأخلاق الإسلامية الحسنة، وأعجبت جميع الحاضرين من المهاجرين والأنصار، وحذو حذوه، وفعلوا فعله، وهي من دروس الرسول الأكرم محمد (ص) ورسالته الخالدة ذات الأبعاد الإنسانية والأخلاق الجميلة الرفيعة، فتركت مبادرة الإمام علي (ع) أثراً طيباً في نفوس الأسرى، وشعروا بالأمان والراحة بعد القلق، ولم يعد المستقبل مجهولاً لديهم، فهم في حماية الإسلام بتعاليمه الطيبة السمحة التي لا تفرق بين عربي وأعجمي، وبين أبيض وأسود، وبين غني وفقير؛ فالكل سواسية في الإسلام كأسنان المشط، كما قالها من قبل رسول الله (ص)، وهو يصف المسلمين بالإخوة والأخلاق الحسنة والقلوب الكبيرة المحبة للإيمان بالرسالة الإسلامية، ليكون صورة واضحة أمام كافة الديانات السماوية الأخرى، ليميز المسلم بأخلاقه وتقاليده وسيرته على أخلاق وتعاليم وسيرة وعبر الرسول الأكرم محمد (ص)؛ لأنه على خلق عظيم من الله سبحانه؛ وهو القدوة الحسنة، ونحن المسلمون تلامذته، لنسير بسيرته الفذة التي خلدها التاريخ بأحرف من نور؛ فالدين الإسلامي خاتم الأديان السماوية، وهو (ص) خاتم الأنبياء عليهم السلام.