• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : الأسبوع القرآني للإمام الجواد "عليه السلام" .
                          • الكاتب : د . الشيخ عماد الكاظمي .

الأسبوع القرآني للإمام الجواد "عليه السلام"

 - الآية الثانية:

قال تعالى: ﴿الَّذِيْنَ يَأْكُلُوْنَ الرِّبَا لَا يَقُوْمُوْنَ إِلَّا كَمَا يَقُوْمُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوْا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى الله وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيْهَا خَالِدُوْنَ﴾. [سورة البقرة: الآية 275]

* روي عن أحمد بن محمد بن عيسى في نوادره، عن أبيه قال: ((إِنَّ رَجُلًا أَرْبَى دَهْرًا مِنَ الدَّهْرِ، فَخَرَجَ قَاصِدًا أَبَا جَعْفَرٍ الْجَوَادَ (عليه السلام). فَقَالَ (عليه السلام)  لَهُ: مَخْرَجُكَ مِنْ كِتَابِ الله يَقُوْلُ اللهُ: ﴿فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى﴾، وَالْمَوْعِظَةُ هِيَ التَّوْبَةُ فَجَهْلُهُ بِتَحْرِيْمِهِ ثُمَّ مَعْرِفَتُهُ بِهِ، فَمَا مَضَى فَحَلَالٌ، وَمَا بَقِيَ فَلْيَتَحَفَّظْ)).  
إنَّ الرواية التفسيرية الشريفة تبين مسألة مهمة من المسائل التي ٱستعرضتها الشريعة الإسلامية المقدسة، وبينت أحكامها وحدودها وآثارها، فالآية المباركة في مقام بيان ما يتعلق بالربا وحرمة الأموال التي يحصل عليها الإنسان وهو عالم بذلك من جانب، وما يتعلق بجهله من جانب آخر، ولأجل أنْ نكون على بينة مما ورد في الرواية الشريفة وما تضمنته من أحكام نحاول بيان موضوعات ثلاثة بإيجاز:

 *- الأول: تعريف الربا وأنواعه*.
إنَّ تعريف الربا لغة يطلق عمومًا على الزيادة، وهذا ما ذكره اللغويون في معاجمهم، قال ﭐبن فارس (ت395ﻫ/1005م): ((الرَّاءُ وَالْبَاءُ وَالْحَرْفُ الْمُعْتَلُّ وَكَذَلِكَ الْمَهْمُوْزُ مِنْهُ يَدُلُّ عَلَى أَصْلٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ الزِّيَادَةُ وَالنَّمَاءُ وَالْعُلُوُّ. تَقُوْلُ مِنْ ذَلِكَ: رَبَا الشَّيْءُ يَرْبُوْ إِذَا زَادَ. وَرَبَا الرَّابِيَةَ يَرْبُوْهَا إِذَا عَلَاهَا)).
إنَّ هذا المعنى هو الصريح لهذا اللفظ عند كُلِّ مَنْ عَرَّفه وذكر بيانه وﭐشتقاقاته، وقد ذكروا كذلك ﭐنطباقه على الربا في الاصطلاح؛ لاشتهاره به.
وتعريفه ﭐصطلاحًا فهو يشمل القِسمين المعهودين في الشريعة المقدسة، وقد ذكر الفقهاء عامة تعريفه وبيان أقسامه معًا في الغالب، قال الشهيد الثاني (ت965ﻫ/1558م): ((بَيْعُ أَحَدِ الْمُتَمَاثِلَيْنِ بِالْآخَرِ، مَعَ زِيَادَةٍ فِيْ أَحَدِهِمَا حَقِيْقَةً أَوْ حُكْمًا، أَوِ ﭐقْتِرَاضُ أَحَدِهِمَا مَعَ الزِّيَادَةِ وَإِنْ لَمْ يَكُوْنَا مُقَدَّرَيْنِ بِهِمَا)).

 *- الثاني: أقوال المفسرين.* 
إنَّ المفسرين قد ذكروا ما يتعلق بهذه الآية الشريفة من أقوال بتفصيل وبيان، أذكر منها إجمالًا: 
قال الشيخ الطبرسي: ((﴿فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ﴾ مَعْنَاُه فَمَنْ جَاءَهُ زَجْرٌ وَنَهْيٌ وَتَذْكِيْرٌ مِنْ رَبِّهِ، ﴿فَانْتَهَى﴾ أَيْ فَانْزَجَرَ وَتَذَكَّرَ وَﭐعْتَبَرَ، ﴿فَلَهُ مَا سَلَفَ﴾ معْنَــاهُ فَلَهُ مَا أَخَذَ وَأَكَلَ مِنَ الرِّبَا قَبْلَ النَّهْـيِ لَا يَلْزَمُـهُ رَدُّهُ، قَالَ الْبَاقِرُ : ((مَنْ أَدْرَكَ الْإِسْلَامَ وَتَابَ مِمَّا كَانَ عَمَلَهُ فِيْ الْجَاهِلِيَّةِ وَضَعَ اللهُ عَنْهُ مَا سَلَفَ))، وَقَالَ السُّدِيُّ مَعْنَاهُ لَهُ مَا أَكَلَ وَلَيْسَ عَلَيْهِ رَدُّ مَا سَلَفَ، فَأَمَّا مَا لَمْ يُقْبَضْ بَعْدُ فَلَا يَجُوْزُ لَهُ أَخْذُهُ وَلَهُ رَأْسُ الْمَالِ .... ﴿وَأَمْرُهُ إِلَى الله﴾ مَعْنَاهُ وَأَمْرُهُ بَعْدَ مَجِيءِ الْمَوْعِظَةِ وَالتَّحْرِيْمِ وَالْانْتِهَاءِ إِلَى الله إِنْ شَاءَ عَصَمَهُ عَنْ أَكْلِهِ وَثَبَّتَهُ فِيْ ﭐنْتِهَائِهِ عَنْهُ، وَإِنْ شَاءَ خَذَلَهُ. وَقِيْلَ: مَعْنَاهُ وَأَمْرُهُ فِيْ حُكْمِ الْآخِرَةِ إِلَى الله تَعَالَى إِنْ لَمْ يَتُبْ وَهُوَ غَيْرُ مُسْتَحِلٍّ لَهُ، إِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ بِعَدْلِهِ، وَإِنْ شَاءَ عَفَا عَنْهُ بِفَضْلِهِ. وَقِيْلَ: مَعْنَاهُ أَمْرُهُ إِلَى الله فَلَا يُؤاخِذْهُ بِمَا سَلَفَ مِنَ الرِّبَا)).
إنَّ جميع الأقوال التي ذكرها الشيخ الطبرسي إنما تؤكد ما ورد في رواية الإمام الجواد (عليه السلام)  في أنَّ التوبة والانتهاء عن المعاملة بالربا لا يوجب على صاحبه أنْ يردَّ ما أخذه قبل ذلك، من دون الإشارة أو البيان إلى تفصيل ذلك من حيث العلم والجهل وغيرهما كما سيأتي بيانه عند العلماء الآخرين. 
وقد وردت روايات متعددة تدل على تحريم الربا وعظمة ﭐرتكابه وتحذير المؤمنين من التعامل به قليله وكثيره ففي الحديث عن الإمام الصادق (عليه السلام): ((دِرْهَمُ رِبَا أَشَدُّ مِنْ سَبْعِيْنَ زِنْيَةٍ كُلِّهَا بِذَاتِ مَحْرَمٍ))، فضلًا عن بيان آثاره في الدنيا والآخرة، فهو شر المكاسب، وأخبثها، وملعون صاحبه، ومن الكبائر وغيرها.
*- الثالث: آيات الأحكام.*
قد تبيَّن من خلال ما تقدم من أقوال المفسرين من موافقتهم للرواية التفسيرية للإمام الجواد (عليه السلام)  من جوانب متعددة، وقد أفاد العلماء من آية الربا أحكام متعددة، فضلًا عن مناقشتها وبمكن بيان بعض ما يتعلق بالموضوع ببيان بعض أقوالهم في الإفادة منها كون الآية المباركة تعدُّ من آيات الأحكام.
 قال الشيخ قطب الدين الراوندي (ت573ﻫ/1177م): ((أي لَهُ ما أكلَ، وليسَ عليهِ رَدُّ ما سلفَ إذا لم يكنْ علمَ أنَّه حرامٌ، قال أبو جعفر : مَنْ أدركَ الإسلامَ وتابَ مما كانَ عملهُ في الجاهليةِ وضعَ اللهُ عنه ما سلفَ، فمن ﭐرتكبَ ربًا بجهالةٍ ولم يعلمْ أنَّ ذلكَ محظورٌ فليستغفرِ اللهَ في المستقبلِ، وليسَ عليهِ فيما مضى شيءٌ، ومتى علمَ أنَّ ذلكَ محرَّمٌ وتمكَّنَ من عملهِ فكُلُّ ما يحصلُ لَهُ من ذلكَ محرَّمٌ عليهِ، ويجبُ عليهِ ردُّهُ إلى صاحبهِ.... ويحتملُ أنْ يكونَ أرادَ ﴿فَلَهُ مَا سَلَفَ﴾ يعني من الربا المأخوذِ دونَ العقابِ الذي ﭐستحقَّهُ .... لأنَّ مستحلَّ الربا كافرٌ بالإجماعِ)).
إنَّ هذا القول مطابق لما ورد في الرواية التفسيرية ولما ذكره المفسرون حول في الآية المباركة، فالجاهل بأنَّ ما أخذه كان من الربا لا إثم عليه فيما تقدم؛ لانتفاء العلم بالموضوع، وأما مع العلم فهذا لا يتم، وهو ما كان التحذير والوعيد به.
 ختامًا إنَّ منهج الثقلين في بيان الحكم الشرعي ظاهر، وإنَّ الرواية التفسيرية للإمام الجواد (عليه السلام) قد بيَّنت ذلك وأكدته، وهناك روايات متعددة أشارت إلى ذلك، فضلًا عن ظاهر الآية المباركة.
 




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=157680
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2021 / 07 / 03
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 15