تعددت أساليب الحوار بين الحضارات العالمية على المستوى العام، وبين الناس والقائمين على أمورهم على الوجه الأخص، وكلها تبغي الوثوب إلى حالة الوعي المدرك لمقومات النضج البنّاء، والذي يطمحُ لمدّ جسور التواصل، وتبادل الثقة بين الكاتب والقارئ، بالشكل الذي يتيحُ الوصول إلى مرمى القصد والغاية من الكتابة، كسلاح حيوي على مرّ التاريخ، كان ولايزال يحفظ للأمم والشعوب هيبتها الإنسانية، عبر هذا الأثير النابض بالحياة؛ فتارة تكون الكتابة بسطورها المتناغمة، المحرّك والمؤجّج لحماسة الجماهير، والشعوب التائقة للخلاص من جهل الطغاة، وظلامة المستكبرين.. وهي تتطلعُ لإيصالِ صوتِها لقادةِ المصير، والمتحكمين بمقدراتهم، لتلقمهم حجر الصحوة، والإذعان لمطالب المجتمع بكلّ شرائحه، كضرورة من ضرورات التأسيس الصحيح للحالة الإيجابية الفطرية المتنامية عبر المراحل التي مر بها الإنسان، وهو على وجه البسيطة يرنو للكمال الإنساني...
فالكتابة ومنذ البواكير الأولى للتعليم، تمنح المتعلمَ معنى أن يسردَ ما يجول في خاطره، ويبلور معارفه وتصوراته عن الحياة، وهذا بطبيعة الحال يعتمد بالدرجة الأساس، على التخطيط المسبق من قبل المدرسة، والكادر المثقف الواعي القادر على خلق جيل يعتني بالكتابة الإنشائية المعبرة، كمطلب أول قبل دخول معترك الحياة، ومخاضاتها العسيرة، والتي ينبغي معها الدارس والمتعلم إبداء رأيه حول مجمل مايدور حوله من أحداث.. باعتباره اللسان الذي تعوّل عليه الأمة في تصديها لكثير من أوجه الإنحراف الساعي لتقويض معالم وصروح الأمة... فكم للقلم من صولات أردت عروش الطغاة هاوية خاوية، وكم عبدت الكتابة طرق النجاح، وهي تحتضن عصارة الفكر والتفكر، ومزيج التأمل والتدبر، لتجعل من حياتنا أبهى رونقاً، وأسنى ألقاً، لما لها من دور في حفظ العلوم والآداب والثقافات.. وقد ورد عن رسول الله (ص)، الحث على التدوين، عندما قال: (قيّدوا العلم بالكتابة).
إن عدمَ الإهتمام بالأسس المقوّمة للكتابة وسبل تطويرها، وما يحيط بها من حلل البهاء والجمال، يؤدي إلى عدم الإستئناس بالنسيج الحضاري المكون من فروع أدبية وثقافية، التي من شأنها رفع مستوى الذائقة الفكرية للمجتمع، وما يصبو إليه من تقدم ورقي إنساني خلاق.
|