حينما تحزب جند الباطل واتباع الشيطان لذبح الأمل والحياة، واغتيال الغد المشرق للإنسان، هب الغيارى اسوداً متدرعين بحب الرحمن، قد تمنطقوا بعزم أمير المؤمنين عليه السلام، واباء السبط الشهيد، وغيرة ابي الفضل العباس سلام الله عليهما، وكان زوجها ضمن هذه القافلة المباركة.
مضى عنها بعد أن ودعها، وكانت آخر صورة منه ابتسامته التي بقيت في مخيلتها، ثم أحرز النصر تلو النصر، إلا أنه لم يعد اليها، عادت جثته التي تحكي لها بطولاته وعشقه ومحبته لدينه ووطنه، فصار الحزن يرافق أيامها، والوجع من ألم الفراق يأكل ساعاتها.
يا ترى كيف ستواجه غيابه المضني؟ وكيف ستقضي أيام حياتها من دونه، ومسؤوليتها القادمة جليلة وصعوباتها كثيرة؟
لكنها مؤمنة، صبورة، مجاهدة، فهي زوجة شهيد نذر حياته لربه، وأعطى كل شيء في حبه، لذا ستنهض وتستوي في مواجهة مسؤولياتها بثبات زينبي .
ستحيي ذكرى رجل كان شريك رحلتها إلى الله تعالى، ستتصالح مع الغياب، وتتوافق مع الألم، لتصنع خبزا ومهدا دافئا لاولادهما، سيبقى حجرها آمنا لتصنع جيل الغد، وسيفتخر الشهيد من عليائه بثباتها وجهادها وتربيتها.
فألف تحية لكل زوجة شهيد لم تزحزحها فداحة المصيبة، ولا عظم الرزية عن مواصلة الكفاح.
ألف تحية لكل دمعة وانة وآهة في هذا الطريق المقدس.
ألف تحية لكل من وقفت مع زوجها في أيام المحنة وقدمت أكبر التضحيات.
ألف تحية لكل من شاركته الألم والأمل والتوجهات.
هنيئا لكن أيتها الزينبيات الصابرات، فبصبركن وايمانكن وثباتكن اعدتن أمام نواظرنا صورة كربلاء، ومواقف الأفذاذ من النساء اللواتي استسهلن العطاء، وواصلن المسير فداء لرسالة السماء.
نعم نحن نعلم أن جرحكن أيتها الصابرات عميق، وأنكن بفقدكن لأزواجكن قد فقدتن الحبيب والأنيس والرفيق، من كنتن تعشن تحت ظل رعايتهم آمنات مطمئنات، لذا لن يكون الفقد هينا ولا النسيان أمراً ميسورا.
لكن ما يهون الخطب، ويبرد القلب، أنه شهيد حي عند الله تعالى.
ذهب ليكون شافعا لكن في الآخرة، ومصدر فخر وعز في الدنيا.
لم يبذل نفسه من أجل شيء رخيص وتافه.
بل ضحى بمهجته من أجل الله تعالى والمقدسات.
وانتن بلا شك شريكات جهاده وتضحيته ولكن عند الله تعالى ما ليس لغيركن.
لذا اقول لكل زوجة شهيد أبي:
أيتها الموفقة اصمدي وواصلي واعلمي أن جهادك الحقيقي مستمر حتى تحفظي رسالة زوجك الشهيد وتصوني دماءه وتحرسي بكل وجودك أهدافه وتكملي مسيرته.
وأول من يحضى باهتمامك هم بقية الشهيد (أولاده) فاحرصي على أن تكوني لهم أباً وأماً ومعلمة وملهمة.
واعلمي رعاك الله أنك المؤتمنة عليهم، وهنيئا لك هذا الوسام الإلهي فلقد أضحت علاقتك مع الله تعالى مباشرة، فأنت وأطفال الشهيد مورد الرحمة الإلهية الخاصة في الدنيا والآخرة؛ فزوجك قدم روحه لله فماذا تتوقعين؟
كيف سيرد الله تعالى هذا الفعل الجميل والبذل العظيم؟
|