• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : صناعةُ الملابس الجلدية في بلاد الرافدين .
                          • الكاتب : شذى بشار حسين .

صناعةُ الملابس الجلدية في بلاد الرافدين

  كانت الجلود المادة الأولية المستخدمة في صناعة الملابس، فعمل الإنسان القديم على إكساء نفسه بجلد الحيوان، وربما كان السبب في ذلك ليس ظروف الطقس الباردة فحسب، بل ليصارع قوى الطبيعة المتمثلة بمجموعة عديدة من الحيوانات المخيفة، فبذلك استطاع أن يقترب منها؛ لأنه وضع جلد الحيوان على جسده، فقد كان في بادئ الأمر يسلخ جلود الحيوانات الكبيرة التي يصطادها، ويلتف بها كما هي، ولكن بعد أن اهتدى إلى طرائق معالجة الجلد، أخذ يصنع منها ملابس بطرائق بسيطة وبدائية بعض الشيء، وذلك قبل أن ينتشر استخدام المنسوجات في الألف الثالث قبل الميلاد. 
 لقد صوّر العراقيون مظهر الإنسان الأنموذجي عارياً في بداية الأمر، متمثلاً بالكهنة وبعض رجال الدين من السومريين، ولعلهم أظهروه بهذه الصورة؛ لأنهم أرادوه رمزاً للطهارة والنقاء، وبعد ذلك عرف السومريون زياً غريباً بعض الشيء، وربما كان مستنبطاً من جلود الخراف أو كان رمزاً للتقشف الديني والروحي. كانت هذه الملابس تتمثل في بداية الأمر بلباس يأتزر بهِ الإنسان، يغطي القسم السفليّ من الجسم فقط أشبه ما يكون (بالتنورة)، وهو مصنوع من الجلد. وقد أظهر النحّات السومري أشكال الملابس على منحوتاته بدقة فنية، تمكنا من خلالها معرفة أشكال الملابس، وكانت على شكل وريقات مدببة مختلفة الحجوم. واستخدمت جلود الأغنام والماعز في صناعة الملابس بعد تحضيرها وجعلها ملائمة كملابس. وردت الملابس الجلدية في النصوص المسمارية بالصيغة الأكدية (maska labis)، إذ نقرأ في أحد النصوص المسمارية: (summa awilu KUS MAS labis - إذا ارتدى رجل جلد الماعز). كما أطلق على الثوب الجلدي في اللغة السومرية : (KUS.LU.GU.E.A). أما في اللغة الأكدية فاطلق عليه: (mask  na-ah-la-pa-tum). 
وقد ظهر البطل الأسطوري كلكامش في بعض المشاهد الفنية العراقية القديمة، وهو عارٍ ويتمنطق بحزام في أحداث ملحمته الشهيرة، ارتدى جلد حيوان، إذ جاء في النص: (صار شبح الموت يلاحق كلكامش ويفزعه عندما أدرك أن الموت سيقهره آجلاً أم عاجلاً، مثلما قهر نظيره انكيدو).
فلبس جلد سبع (أي: جلد حيوان كبير)، وهام على وجهه في البوادي قاصداً رجل الطوفان (اوتونا بشتم) ليسأله عن سر حصوله على الخلود من الآلهة، وفي نهاية أحداث الملحمة ذكر أن كلكامش طرح الفرو (أي: الجلد الذي كان على جسده) ليأتي إلى المدينة.
 كما استخدم الإنسان القديم الجلود في صناعة الدروع، ذلك لأن الجلد بطبيعته سميك، حيث كانت الدروع تغطى بشرائط تثبت بواسطة مسامير، لتزداد قوة وصلابة في الدفاع عن مرتديه، وغالباً ما كان يُرتدى الدرع من قبل الجُند، وخير مثال نستشهد به هو مسلة النصر لنرام سين (2254-2218)ق .م، إذْ نلاحظ قائد الجيش المنتصر وهو يرتدي درعاً مصنوعاً من الجلد، ومثبتاً بالمسامير المعدنية. 
وقد أطلق على الدرع في اللغة الأكدية (aritu)، أما عامل الدروع فأطلق عليه: 
LU.ASGAB KUS aritu)).
 ومن بين الملابس الجلدية التي عرفت في حضارة العراق القديم بالنسبة للحرفيين هي ملابس الحداد، ومن الطبيعي أن تتميز ملابس الحداد بالسمك بعض الشيء، لأنه يتعامل مع النار، ويحتاج في ذلك إلى ملابس مقاومة للحرارة. وقد أشارت النصوص المسمارية الى هذه الصفة المميزة لملابس الحداد؛ إذ أن النص الخاص بأسطورة الآلهة أيا (آدبا)، يذكر: عندما تعرض (أيا) للرياح الجنوبية، وقام بكسر جناحها، فأمر (انوا) بإحضار الآلهة (أيا) أمامه، عندئذ علمت (أيا) كيف يتوجه للمثول في حضرة (انو)، وقال: إن عليه أن يرتدي ثياب الحداد، وأن يكون شعر رأسه أشعث. 
 فضلاً عن ذلك دخل الجلد في صناعة الملابس في العصر الاشوري الحديث. كما أُرتديَّ الجلد في الاحتفالات الدينية داخل المعابد، إذ يُظْهِر أحد المشاهد الفنية كاهن المعبد، وهو يضع على رأسه قناعاً يتكون من وجه أسد وجلد، وكان هذا الجلد يتدلى على ظهره.




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=157092
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2021 / 06 / 20
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 16