إن تعدد الأفكار واختلاف الآراء من الأمور الطبيعية في المجتمع لأنه في الأغلب ناتج عن تفاوت في المعرفة ولا يقتصر هذا التفاوت على مجال محدد بل يشمل سائر المجالات , فلا ينبغي أن يدفع هذا الاختلاف والتعدد الى الخصومة والقطيعة .
إن الاحترام المتبادل بين الطرفين يجعل من ميدان الحوار هو الفكر وليس الذات , ومن هنا جاءت التعاليم الإسلامية محذرة من الوقوع في الخصومة والقطيعة لأن ذلك ليس من صفات العقلاء , بل العكس من ذلك ما نشاهده من انعقاد الندوات والمحافل العلمية لمناقشة الآراء والاستماع لوجهات النظر الأخرى المختلفة من حيث الدين أو المذهب أو الانتماء , ولأن الخصومة تستنزف طاقة الإنسان وجهده التي كان الأجدر به أن يستفيد منها نحو الخير وتنمية القدرات , ورد عن الإمام الصادق (ع) انه قال : إياكم والخصومة في الدين فإنها تشغل القلب عن ذكر الله عز وجل وتورث النفاق وتكسب الضغائن . وعنه (ع) أيضا قال : فلا تخاصموا الناس لدينكم فان الخصومة ممرضة للقلب . ( بحار الأنوار , ج2 , ص 128 ) .
ومن خلال التجربة رأينا كثيراً من اختلاف الرأي يكون بسبب تفاوت المعرفة عند الناس الذي هو في الحقيقة أمر طبيعي , قال تعالى : بل أكثرهم لا يعلمون الحق فهم معرضون . فالإنسان الذي لم تتضح له الأمور بشكل جيد يُعرض عن الحق فضلا عن إتباعه , فالمطلوب أن يوضح صاحب الرأي والفكرة مراده بشكل واضح كما قال تعالى : واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي .( طه : 27 ) , وقال تعالى أيضا :﴿ ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ﴾ ( النحل : 125 ) , ثم بعد ذلك تستطيع أن تعرف الموافق لك من المخالف . أما ما يجري اليوم من تبادل الاتهامات لمجرد عدم التوافق بالرأي أو عدم فهم الأخر كما هو يريد , وانعكاس ذلك على الساحة الفكرية وانتشار ظاهرة الخصومات في كيان المجتمع وإصابته بالتفكك والضعف أمرٌ مخيب للآمال حقيقة وخصوصا بين الطبقات المثقفة . ورد عن الإمام الرضا (ع) انه قال : وإياك والخصومة فإنها تورث الشك وتحبط العمل وتردي بصاحبها , وعسى أن يتكلم بشيء لا يُغفر له . ( مستدرك الوسائل , ألنوري , ج 9 , ص 77 ) , وبغض النظر عن أسباب الخلاف ودوافعه , فانه يدفع صاحبه لارتكاب مختلف المعاصي من غيبة ونميمة وبهتان من أجل الانتصار على عدوة وبالتالي الابتعاد عن تقوى الله تعالى والانتصار للنفس , ورد عن أمير المؤمنين (ع) انه قال : من بالغ في الخصومة أثم ومن قصر فيها ظلم , ولا يستطيع أن يتقي الله من خاصم . ( قصار الحكم : 289 ) .
فاختلاف الرأي في مسالة ما لا تعطيك الحق بأي شكل من الإشكال التجاوز على الطرف الأخر فهو إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق .
|