لما شُرّعت الصلاة، تساءلَ المسلمون الأوائل: كيف سيُعلن عن أوقات الصلاة؟ هل بقرع النواقيس كما في الأديرة والكنائس؟ أم بالأبواق كما تصنع اليهود؟ وإذا بالأمين جبرائيل (ع) يهبطُ على رسول الله (ص) يعلّمه فصول الأذان، وأن يعلنَ به عن كل صلاة... وهكذا ارتفع صوت الأذان مركزاً مفاهيم الإسلام في رفض عبودية غير الله تعالى، وتأكيد رسالة النبي (ص)، والدعوة إلى الصلاة والحثّ عليها، وأنها هي الفلاح وهي خير العمل.
ومن مسجد النبي (ص)، رددت جميعُ المساجد تلك المقاطع المباركة: (الله أكبر أشهد أن لا إله إلا الله، أشهدُ أن محمداً رسولُ الله) وراحت حناجرُ المؤذنين على اختلاف أجناسهم وألوانهم وألسنتهم في مشارق الأرض ومغاربها تترنمُ بها، فمؤذن في أندنوسيا يتجاوب مع آخر في نيجيريا، ماراً بأذان البيت الحرام التي ترتبط به جموعُ المؤذنين والمصلين، من مآذن (سراييغو) إلى مآذن (أذربيجان والصين) معه، ثم مآذن (جزر القمر ومدغشقر)...
وكم هو عظيم هذا الإسلام في تشريعاته وأحكامه، ينطلقُ صوتُ الأذان عند الفجر أولاً، ليعلن بداية يوم جديد. وبينما الناس منشغلون في أعمالهم ومعادلات الحياة والمعاش، يأتي صوتُ المؤذن ليذكر الإنسانَ بالله سبحانه، وأن لا يستغرقَ في الدنيا، فيجعلها هدفاً يستسيغُ كلّ شيء لأجلها، يرتفع صوت الأذان ويعلوا على أصوات وصخب الأسواق والشوارع، ليوجهها ويذكرها بالخالق الكريم. وعندما تبدأ شمسُ النهار بمغادرتنا وينصب الليلُ خيامه، يرتفع صوت الأذان مرة أخرى، ليعلن الإنسانُ نهاية يوم وبداية ليلة، ولينبه الناس على آيات الله تعالى وتصرم سني حياتهم... وكم هو جميل ورائع وأنت ترى المصلين أفراداً وجماعات يتجهون إلى المساجد، مستجيبين للنداء الخالد (حيّ على الصلاة، حيّ على الفلاح، حيّ على خير العمل...).
وقد تعلقَ المسلمون بشكل غريب ومذهل بالأذان وصوته، وإن كانوا غير عرب، ولهذا لمّا منع الدكتاتور العلماني (أتاتورك) صوت الأذان عن مساجد تركيا السامقة، بقيت المآذن كئيبة تشعر بغربة وضياع، وقد أراد هذا الطاغية أن يكون حتى الأذان باللغة اللاتينية! ولما عاد بعد سنين عجاف صوت الأذان, كما أراد اللهُ تعالى، بالعربية إلى المآذن، خرج الناسُ مبتهجين فرحاً، ونُحرتْ مئاتُ الذبائح سروراً بهذه العودة الحميدة، وابتهاجا بصوت النداء الإلهي.
كان الأذانُ ولا يزال يشد الغربيين إليه، وقد انعكس على مذكراتهم وتأملاتهم، وربما كان الأذان، لاسيما عند الغجر يدهشهم أو يقلقهم أحياناً.. إذ يُحكى أن الجيشَ الانكليزي لما غزا العراق، وأخذ يتحركُ ببطء استمر ثلاث سنوات للتحرك من البصرة إلى بغداد، وذلك بفعل جهاد أبناء الإسلام هناك؛ خيّم ذلك الجيش الغازي ذات ليلة في أطراف إحدى المدن العراقية، وعند الفجر حيث أطلق صوت المؤذنين للصلاة، انتبه قائد الجيش مرعوباً!! واستدعى المترجم يسأله عما يقوله هذا المؤذن، وهل أنه يدعوا الناس إلى محاربة جيشه ومقاومته أم لا؟! ولما أوضح المترجمُ أنه يدعوا إلى الصلاة حسب، وأنه لا يسب هذا الجيش الغازي، علق ذلك القائدُ أن لا بأس عليه، ولكنني أعتقد أن توجسَه وخيفته بقيت تلازمه، كلما طرقَ سمعه الأذان.
وعجباً لهؤلاء الغربيين، بينما هم يؤكدون على علمانيتهم، وعدم اكتراثهم حتى بالدين المسيحي، حتى هجرت كنائسهم، وبيعت في المزادات... ومع ذلك فأن الحقدَ على المسلمين يبقى أمراً واضحاً، ينعكسُ على جملة من تصرفاتهم عبر عبارات، ورسوم وإشارات نابية عن القرآن والإسلام، ونبيه (ص) في مناسبات كثيرة، ومهما عمل أعداء الإسلام فأن صوتَ الأذان صوت الإسلام، لا يزال يرتفع ويرتفع...
|