كان لظهور الفرق الإسلامية أسباب ودوافع منها ما هو سياسي، وآخر عقائدي ديني، فكانت الخوارج أوَّل من شقَّ عصا الطاعة وفرق الجماعة، وانحصرت أفكارها الأولى في مسألتي التحكيم والخلافة، ومن ثمَّ مزجت آراءها السياسية بأبحاث دينية، فجاءت نظرتها إلى الدين من خلال دورها المنشود في المجتمع، ففسرت الدين للمحافظة على منزلتها، فبدأت مقالتها بالإيمان وحكم أصحاب الكبائر، وكانت في البداية تخص الصحابة زمن الفتنة، ثمَّ تطور ليتسع حكمها على صاحب الكبيرة في المجتمع.
وكرد فعل لما أحدثه الخوارج، برزت فرقٌ وقفت في الصَّف المخالف لآرائها، فكانت المُرجئة قد خالفت الخوارج خلاف تضاد، بينما وقفت المعتزلة موقفاً وسطاً بين الفريقين، واتسعت آراءُ الفرق وتطورت نتيجة للتطور الحاصل في فرقها واختلاف أفرادها فيما بينها، حتى أصبحت كل فرقة تتكون من عدَّة فرق لكل منها آراؤها الخاصة في تحديد المفاهيم العامة لعضوية العقائدي منها والسياسي .
ومن حيث التعريف، فإنَّ الخوارج عُرِفَت بذلك لخروجها عن الطاعة والجماعة، بينما المرجئة لإرجائها أهل الذنوب من أهل القبلة، في حين المعتزلة عُرِفَت به لاعتزالها قول جميع الأمة حينما ذهبت للقول بأنَّ الفاسق من أهل التوحيد في منزلة بين المنزلتين، وقد تزامن ظهور الفرق بين منتصف القرن الأول الهجري ومطلع القرن الثاني الهجري، وبدأ في الكوفة والبصرة لينتشر بعد ذلك في أماكن أخرى.
أمّا التوحيد، فإنَّ الفرق عموماً تقول بوحدانية الله وأنَّه لا شريك له، غير أنَّها اختلفت في مضمون ذلك التوحيد، فوافقت الخوارج وبالأخص الأباضية، وأكثر المرجئة قول المعتزلة في الصفات، وأنَّ الإيمان والإسلام واحد، وهولا يتجزأ ولا يزيد ولا ينقص، إمّا أن يوجد أو يُفقد بالكلية، غير أنَّها اختلفت في الأعمال فذهبت الخوارج والمعتزلة إلى أنَّها شرط لصحة الإيمان، والإخلال بالأعمال إخلال بشرط الإيمان، فلا يكون معه شيء من الإيمان، بينما ذهبت المُرجئة إلى أنَّ الأعمال غير داخلة في الإيمان، ولا يضر صاحب الإيمان ذنب.
وهذه الفرق من حيث الحكم على صاحب الذَّنب من الإيمان وعدم الإيمان، ذهبت الخوارج إلى أنَّه كافر في الدُّنيا، مخلَّد في النّار يوم القيامة، بينما رأت المعتزلة أنَّه في منزلة بين منزلتي الإيمان والكفر في الدُّنيا، ووافقت الخوارج في الحكم عليه بالخلود في النّار يوم القيامة، وأنكرت كلا الفرقتين الشَّفاعة؛ وعلى خلافهم كان رأي المرجئة عندما جعلته من أهل الإيمان في الدُّنيا رغم ارتكابه المعاصي، وفي الآخرة يدخل الجنة بما معه من الإيمان، ولا يخلد في النّار بالشفاعة والتّفضل.وهي تتولى المؤمنين ممن يقول بأصولها، وتبرأ من الكافر الذي ثبت عندها كفره وإلحاده، فالخوارج تتولّى موافقيها في الاعتقاد، وتبرأ ممن خالفها؛ والمعتزلة تتولّى من يقول بأصولها الخمسة، وتبرأ ممن لم يستكمل الأصول، أمّا المرجئة فتتولّى المؤمنين بإيمانهم، ولا تبرأ إلاّ من الكافر والمشرك الذي ليس معه من الإيمان شيء.وتبعاً للحكم الواقع على الأشخاص من هذه الفرق كان الانتماء في المجتمع، فمَن أقرَّ بالتوحيد واستكمل شروط الإيمان ـ حسب رأيها ـ فهو عضو في المجتمع الإسلامي له كل الامتيازات من الموالاة والنصرة، وحتى اختيار الإمام؛ أمّا إذا أخلَّ بالتوحيد الذي قالت به الفرق، ولم يستكمل الإيمان فيفقد بذلك حق الانتماء والمواطنة،ويكون نصيبه البراءة والمعاداة والخذلان، فشرط العضوية هو موافقة الفرق في آرائها، والإخلال بالشرط يؤدي إلى الإخلال بالإنتماء وامتيازاته.
|