في أحد الأيام إقترب منّي السجين الشاب خليل من أهالي محافظة دیالي و قال: إن هناك مسألة فقهيّة يود معرفة جوابها،فقلت له: تفضّل! فقال: ما هو الحكم الشرعي بالنسبة لصلاة الشخص الذي تردّد أمره بين حالتين: إما أن يصلّي بإتجاه القبلة و لكنّه مضطر في هذه الحالة أن یلمس جسد المرأة الأجنبية أو يصلّي بإتجاه معاكس للقبلة،فكيف يصلّي؟!
فقلت له: يمكنه أن يضع ساتراً بينه و بين المرأة،و لو كان ذلک الساتر ثوبا و يصلّى بإتجاه القبلة.
فقال لي خليل: لا يوجد أيّ ساتر حتى الثوب! فقلت له: ينتظر مثلا ريثما تقوم المرأة فيصلّي بعد ذلك و لا يصلّى أول الوقت.
فقال لي: لا يمكنها تغيير مكانها أصلا،و هما مجبوران علَى هذا الوضع لفترة طويلة!
فقلت له: أخي خليل! بدلاً من أن تسأل عن حكم حالة إفتراضية خيالية و يضيع وقتنا في هكذا مسائل إسأل عن مسائل لها ثمرات عمليّة مفيدة.
فقال لي خليل: ثق إن هذه المسألة ليست عن حالة افتراضية خيالية،و إنما هي واقعية ابتلينا بها ! و حدثت في إحدى غرف معتقل الأمن العامة و كان منهم أحد زملائي،حيث قال لي: صلّيت في مثل هذه الحالة بإلاتجاه المعاكس للقبلة خلال ثلاثة أو أربعة أشهر - الشكّ منّي - و ذلك أنّي في فترة التحقيق في الأمن العامة جرّدوني من ملابسي تماما حتى الملابس الداخلية و فتحوا إحدى الزنزانات و أقحموني فيها،و كم كانت دهشتي عندما رأيتها مكتظة بالمعتقلين المجرّدين من ملابسهم مثلي بحيث إن شرطي الأمن عندما أقحمني في الزنزانة لم یستطع إغلاق بابها إلّا بصعوبة بسبب الزحام داخل الزنزانة،و الأنكى من کلّ كذلك إني لاحظت عقيب دخولي للزنزانة أن كل المعتقلين متّجهون إتجاه الباب و ليس هناك من يختلف إتّجاهه،و عندما إلتفتّ لاحظت النصف الأخير من الزنزانة مكتظا بالنساء المعتقلات المجرّدات من ملابسهن تماما و هنّ متّجهات إلَى الحائط المقابل للباب حيث أوضح المعتقلون لي - و كانوا جميعا رجالا و نساءً من شيعة أهل البيت علیهم السلام الإسلاميين الملتزمين دينياً و أخلاقياً - أنهم إضطروا إلَى إتّخاذ هذه الوضعية تجنّبا للتماس الجسدي و الإختلاط المحرّم و غير الأخلاقي!!!
و أضاف: فكنت خلال هذه الأشهر - كبقية المعتقلين متّجهاً إلَى الباب الذي هو معاكس للقبلة طيلة الوقت حتى أثناء الصلاة،و بذلك إضطررت للصلاة بالإتّجاه المعاكس للقبلة مثل الباقين،و لا خیار و لا بديل لنا!!
أقول: يفترض توجيه السؤال إلَى منظمات حقوق الإنسان و إلَى من يدافع عن طاغية العراق من العرب الذي يتشدّقون بالقيم و الأخلاق العربية و «الإسلاميّين» الذين يعتبرونه رمزا لقضيتهم و جهادهم،و نقول لهم: هذا هو صدّامكم و هذه هي قيمه و أخلاقه! و لكن كما قال الشاعر:
قد أسمعت لو ناديت حيّاً
ولكن لا حياة لمن تنادي
في سجون الطاغیة؛ص۲۱۵-۲۱۷
|