سوء تصرف الآباء هو الذي يعنينا في هذا البحث أكثر من الإنحراف الذي يسببه هذا التصرف في سلوك الأبناء؛ ذلك لأن الإنحراف إنما يعزى في كثير من الأحيان إلى سوء التصرف المذكور. فسلوك الطفل لا يعدو أن يكون حصيلة تفاعل ذلك الطفل وما يحيط بيته من ظروف، وما يسود هذا البيت من آراء، أو نتيجة لما يلقى الطفل خارج بيته من تجارب تعسة، او نتيجة لهذه وتلك مجتمعة، ومن شأن هذا السلوك أن يجنح إلى التعقيد والإشكال بجنوحه إلى التطرف.عندئذ يعود ذلك السلوك ويتكرر، وينمو ويتفاقم بدلا من أن يكون عرضيا مؤقتاً...
وفيما يلي طائفة من الأسباب الأوسع انتشارا لما نحن بصدده من إشكال وتعقيد:
ثورة الغضب عند الأطفال:
وهي في العادة انفجار يقصد به الطفل من قريب أو من بعيد إلى تخطي إرادة أبويه، ولطالما غُلِبَ الآباءُ على أمرهم، وأذعنوا لرغبات صغارهم، نتيجة لما يلجأ إليه هؤلاء من بكاء وصراخ ورفس وانبطاح على الأرض؛ فمثل هذه الثورات (أو التهديد بها) ينبغي ألايكون سببها في تحول الآباء عن آرائهم اقتناعا منهم بمطالب صغارهم، أو رغبة في تفادي أسوأ الشرين. والأجدر بهم في هذه الحالة، أن يتمسكوا بمواقفهم، ويتشبثوا بقراراتهم، وأن يحتجزوا الطفل في غرفته لكي تهدأ أعصابه، فإذا لم ينفع احتجازه عمدوا إلى ضربه... وعقوبة الضرب وسيلة تربوية يقرها الأطباء النفسانيون، خلافا للرأي الشائع عنها.
وقد يكون الضرب عنصرا أساسيا في منهاج تربوي ثابت، شريطة ألا يُساء استعماله أو يبالغ في تطبيقه؛ فلا يجوز اللجوء إلى الضرب وكأنه الوسيلة التربوية الوحيدة، كذلك لا يجوز إنزال عقوبة الضرب بالطفل علنا تحاشيا لاحتمال تحوله إلى هذا أو ذاك...وينبغي ألا يعمد إليه الآباء وهم منفعلون غاضبون، وينبغي ألا ينحصر اللجوء إلى الضرب بالآباء دون الأمهات، وكأنه خاص بالأب، يبادر إلى ممارسته لدى وصوله البيت، واستماعه إلى تقرير الأم عما فعله الصغار، وما لم يفعلوه خلال ذلك اليوم.
وتتضاءل الحاجة إلى ضرب الأطفال كإجراء تربوي، فيما إذا عُوّدوا منذ الصغر على الإستجابة إلى تحذيرات الأبوين بإدراك ما تعبر عنه تلك التحذيرات من سيادة الأبوين، فضلا عن احترام تلك السيادة وتقديرها. فإذا نجح الآباء في تنشئة صغارهم على الشعور أيضا بأنهم آمنون محبوبون، تلاشت الحاجة إلى ضربهم.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن ضرب الأطفال المؤذي أو المهين بلكمهم أو صفعهم على وجوههم أو ركلهم بالأقدام أو ضربهم بالعصا ليس من التربية في شيء،بل هو إجراء وحشي يجب على الآباء اجتنابه...
|