تدخل القصيدةُ الحسينية في رحى التفصيلية من أجل الخروج بجهد تعبيري، يتم عبر عده قنوات تفصيلية، تؤدي الى تبني موقف معنوي، ويعني تحميل النص ثراء ابداعياً يتوغل في مقاربات جمالية تسعى لعمق تأثيري؛ كالمؤثرات الواعية التي نجدها عند الشاعر الحسيني (كفاح النصراوي). ومنها ما يتميز بسمة الوعي الحاد يتجلى بحداثوية المسعى، وفي قدرة التحول تخلصا من التقريرية والمباشرة، باستخدام قناة تعتبر من أهم القنوات الشعرية (الأنسنة):
(نحو طف الحزن والله يرى*** المنايا صوتها ما اضمرا)
فيصبح للمنايا صوت، ومثل هذا الطابع الانساني يعمّق الصورة الشعرية، ويؤثِّث لكد شعري:
(وحسين ألبس الموت فنا)
ويركز في نفس الوقت على البعد المرجع التأسيسي:
(وانسبوني فأنا ابن المرتجى*** أبن خير الناس أبن النبلا)
سعي حداثوي خرق المألوف دون فجاجة، وكأنه يحاول إعادة تركيب أحاسيسنا بتكوينات منفتحة على بعد فلسفي تجريبي:
(دارت الحرب كدور الرحى*** كل سيف للحسين استسمحا)
وهذا الكد يمنحنا ادراكا عميقا لفاعلية البنية في الشعر، لتجاوز المبنى الجملي الى عمق مضموني. وبعض النقاد يرى أن الكدَ الانسني، هو تعريف يسعى لتوسيع دائرة الانتباه ليغوص في معنى النشأة ومجالس عزائها، وتنامي النشأة الفكرية تعتبر من أعلى قيم القصيدة، وظهور جيل شعري بعد الانتفاضة الشعبانية نقل الانتفاضة من ميدان التقابل المباشرالى قيم تواصلية حافظت على الهوية مع وجود الكم التقابلي الذي تنامى داخل الفعل الأنسني:
(رسل القوم نبالاً قد أتت*** أنشدت صوت المنايا أنشدت
مهج الأنصار الى السبط افتدت *** لا تبالي موتها أن عجلا)
لقد دفع الوعيُ الشعري الحاد القصيدة باتجاه أفق من المعاني تجدد بجماليات نسبية تتأثر بالإمكانية بتجاوبها مع عمق المفهوم، ليترابط المعنى، فالإرادة المستخدمة في الإبادة (وسم ونبل حقد وثار) بوح دلالي للبحث في كوامن دوافع الحقد، ودوافع الثأر، وبناء الموقف الدرامي داخل القصيدة، فيتحول كل هذا المعروض الى ما يمثل الدهر عبر منحه الانسنة، بعث الوجود، الكينونة، التصرف معها ككائن ينصهر في بوتقة النص الشعري، لها مؤثراتها وتأثيراتها، ولذلك نجد أن الشاعر (كفاح النصراوي) تعامل مع الدهر معاملة الإنسان:
(دهرنه يبو محمد***دهر ناصبي يشيب الراس
نزع كل رحمة من گلبه***لا غيرة ولا نوماس)
ومثل هذا الفعل التدويني يسعى لتمكين القدرة على الاستيعاب، وتوضيح المفهوم الارتباطي بأطر رؤيوية انسانية، رفع الفواصل بين الكائنات كشكل من أشكال إرادة الحياة؛ فالأنسنة تعني الحرية، وتعني تنامي عمل، وتعني الدعوة الى مزيد من الإلتصاق بالموضوع، لنستوعب روحية الخطاب في التمثيل الأسمى، فلذلك نجده في قصيدة (دم السبط) قد تماهى مع أنا الحاضر:
(آنه دم حسين*** آنه يهل وادم دسمعوني)
ثم ليتحدث بعد ذلك عن تناميات الفعل التكويني:
(من فاطمة ودم حيدره*** والهادي أصلة ومصدره
أنوار الإله الباهرة *** أزهرت وازدهر لوني)
لنصل الى تكامل الاحتواء:
(آنه دم حسين والدم*** يجري باسباب المناعة
أحوي الكرامة والإبا*** والصبر قوة ضاربة
أنوار الإمامة ذايبة*** بيه تجله البراعة)
ومثل هذه الصياغات الشعرية تفصح عن امكانية أدائية كبيرة عند الشاعر (كفاح النصراوي) وذات هوية تروم الابتعاد عن جمود المادة وجفائها، والانطلاق الى هوية التفاعل الحياتي، وتتميز بإشراق الوعي الإنساني:
(وأه اما نعاك الكون صاح*** بمصاب الكاظم ظلم الصباح)
فهناك صياح كون، ونعي وأحزان أملاك، وصوت ريح...
|