تمحور بحثنا في الحلقة الأولى عن جوهر هذه الشخصية التي هي محور الرسالات السماوية ومبدأ البركات ومنبع الرحمة للناس... لنخلص الآن أن هذا المعنى يشكل يقينا ضمير رؤيا تستذكر مفاهيم تتعلق بالرد الازلي، اعادت رؤيا يقينية تتماثل مع اجتماع الازلي والموروث في شخصية الرمز المحمدي الخالد ـ وهذا المفهوم يصل الى يقينية الأثر المكون... فنجد ان لهذه الشخصية المقدسة وجودين، ومثل هذا التشخيص الدقيق سيرسم مفاتيح الخطاب النقدي نحو استحضار القيمة الجوهرية ـ وجود في الازل ـ حيث كان الرسول (ص) وجودا قائما بقرار ارادة الله الحق عز وجل... قد يشكل الواقع الوجداني هنا واقعا غيبيا، لكنه واقع يقيني، فقد كان اعداد النبي (ص) وخلقه متقدم على خلق البشرية وتكوينها... يكمن الابداع الحقيقي في البحث داخل الموروث لمعاينة الحقائق العروضة، والتأكد من سلامتها. قد يقال هذا تفسير مبسط او قسرية البحث عن شعورية وسط هذا العرض الفكري، وذلك لتضاهي العمق، فأبن عباس (رض) يقول قال رسول الله ص: (خلقني الله نورا تحت العرش قبل ان يخلق آدم باثني عشر الف سنة، فلما خلق الله آدم القى النور في صلبه، فأقبل يتنقل ذلك النور من صلب الى صلب حتى افترقنا في صلب عبد المطلب بين عبد الله وأبي طالب، فخلقني ربي من ذلك النور لكنه لانبي بعدي ـ لو تأملنا هذه البعثة وفاعليتها من النص البحثي ستعرف حينها الكم الجمالي حتى صارت وكأنها ومضات تعبيرية تخلق تفاعلا بين الجمالي واليقين كمفهوم اشتغال بمثابة استقراء جوهرين؛ الأول الأزلي، وأما الثاني فهذا الوجود الى الوجود الذي فرضته الحاجة الانسانية كنظام حياتي شامل بدأه بولادته ومبعثه الى البشرية نبيا، ليبدأ حركته الطبيعية في الوسط الاجتماعي كحركة تبريرية انصهرت في بوتقة العوارض البشرية متسلحة بعناصر القوة التي وهبها الله تعالى وهي من مؤهلات الكمال المرتكز على الوجود الاول ـ اذ يستقي المنجز هنا خصوصية الأدائية ضمن افق الهوية الايمانية، فهل تتقيد هذه اليقظة السماوية بحاجز الزمن؟ هل سينهي الموت تفاعلات هذه الحياة؟ أم تراها ستواكب عملية التغيير الاجتماعي، ونتيجة لمقدرة هذه الحركة المقدسة، فهي تستطيع أن تملأ الحاجة الانسانية في جميع مراحلها الزمنية، وهذا يعني أننا بحاجة دائمة الى الرسالة والمنهج الذي ينظم شؤون الحياة. ويذهب الباحث الشيخ عبدالرزاق فرج الله الاسدي بإتجاه النشأة الفطرية المتلهفة لمعرفة هذا المنهج، فيبين وجود مصدرين أساسيين لهذا التوجيه (العقل، الرسول) لاغنى لأحدهما عن الآخر لأن العقل يستغل جزءا كبيرا من معارفه وعلومه من خلال الرسول والرسالة، كما أن الرسالة تحتاج الى وعاء يستوعب قواعدها وأحكامها ومفاهيمها.
|