اليوم نستلُّ من بين طيّات النسيان ذكرى نرسم تجلياتها على صفحات التاريخ من خلال رجال عملوا بصمت فعمّروا تراث مدينة تعبق برائحة الأصالة الجميلة لنستذكر اماكنهم ومهنهم التي امتهنوها وهي تقلـِّب في صفحات ماضيها صورا ما زالت تحمل قصصا وحكايات يرويها لنا بعض شخوصها الذين ما زالوا يتعايشون معها إلى اليوم ومن هؤلاء الحاج وناس محي علوان المقرم
وهو من اقدم الذين عملوا في مهنة حدادة الأدوات الزراعية.
• انا من مواليد 1952م بدأت في هذه المهنة وانا في عمر 7 سنوات في سوق الحسين(عليه السلام) والذي يُطلق عليه الآن (سوق العلاوي) عند استاذي في هذه المهنة الحاج (جواد عوفي) والذي توفي الآن وهو من قدماء المهنة، بالإضافة الى تعليمي المهنة؛ فقد اخذ ايضا على عاتقه تعليمي اخلاقيات التعامل مع الناس. اما بالنسبة لمهنتنا فهي نابعة من كون كربلاء قديما كانت مدينة زراعية لذلك فالمهنة مرتبطة بمدينتنا.
• المواد التي نستخدمها في عملنا الحديد الفولاذ النقي لأنه مقاوم وذو عمر طويل والحد القاطع الذي يحتويه لا يستهلك بسرعة. أما الأخشاب التي نستخدمها تأتي من النجارين، بعد ان تذهب إلى (الچرّاخ) وباقي المواد مثل الفحم سابقا. والآن نستخدم الغاز في (الكورة) بالاضافة إلى المطارق والسندان وباقي الأدوات.
• الآن يوجد الكثير من الذين يعملون في هذه المهنة، ولكن ليس بالإتقان الذي أتميز به بسبب الخبرة الكبيرة التي أمتلكها على مر السنين، من العمل المتواصل والجهد المستمر من اجل تطوير هذه المهنة.
• بطبيعة الحال فان كربلاء في الستينيات من القرن الماضي تختلف عن اليوم، والأجور كذلك... فأنا اذكر أن اول أجرة لي كانت 15 فلسا واصبحت بعد ذلك دينارا وهو مبلغ جيد في ذلك الوقت... ولكن الآن قد تغيّرت الأحوال وارتفعت الأسعار.
• أول محل شخصي لي كان في منطقة كراج باب بغداد، ومكانه الآن (فندق الدلة) فحدود كربلاء كانت أقل من اليوم؛ فأتذكر من كربلاء مثلا بستان (اضْوَيّ) كانت مستنقعا، ومنطقة باب بغداد الآن لم تكن سوى بساتين نخيل تمتد إلى منطقة باب الطاق وباب السلالمة... وبعد ذلك انتقلت إلى منطقة شارع ابن الحمزة لفترة ثم عدت بعد ذلك إلى منطقتي في باب بغداد في محلي هذا قبل سبع سنوات.
• الأسعار سابقا كانت بالفلس، ثم اصبحت بالدراهم، والان بالآلاف؛ فمثلا المنجل كان سابقا يُباع بـ60- 70 فلسا حسب النوعية، وهذا قبل عشرين سنة، والآن اصبح سعره 2000دينار.
• اذكر من المميزين الذين كانوا يعملون في هذه المهنة في وقتي (الحاج احمد) في سوق الصفافير وعمله مميز، ويأتونه من كل مكان، بالاضافة إلى الحاج (جواد سداوي - رحمه الله) الذي كان ايضا من (اسطوات) كربلاء في هذه المهنة.
• اعتقد ان هذه المهنة الشعبية الجميلة بدأت تنحسر بسبب تطور الآلات الزراعية، فسابقا كان العمل كله عملا يدويا لا تدخل فيه الآلة.
• الذين استمروا في هذه المهنة من الجيدين هم قلة مثل (السيد نزار) في باب طويريج، واخوه (سيد ابراهيم) وأحد الذين علّمتهم المهنة هو (الأسطة هاشم) وهو ماهر جدا فيها والأخ (ابو عباس).
• نحن نقوم بصناعة العديد من الأدوات الزراعية مثل (المنجل، والكرك، وسكاكين التكريب للنخيل، وكذلك القامات، وبعض الأدوات الزراعية الاخرى...) وسابقا كان هناك الحاج (مزهر أبو شمطو) يقوم بصناعة المحاريث.
|