رأيت عليه علامات الفرح وهو يتحدث عن كربلاء...
يوم احتلت بريطانيا العراق، وقف الشعب كله ضد هذا الاحتلال البغيض، وشاء لهذه المدينة العظيمة كربلاء، ان تكون من المراكز الاساسية للشعور الوطني، والحركة القومية في العراق، بسبب وجود قادة الثورة فيها والعلماء الافاضل والمرجعية الدينية التي كان لفتاوى علمائها الحضور البهي الذي أجبر السلطة المحتلة، لاصدار استبيان رأي الناس بنوع الحكم الذي يريدونه، بعدما جنـّد الاستعمار البريطاني اعوانه، لضمان الرأي الذي يخدمها، وهو تنصيب (برسي كوكس) حاكما على العراق. واصدر حينها الشيخ محمد تقي الحائري بيانا مضمونه: (ليس لأحد من المسلمين ان ينتخب ويختار غير المسلم للامارة والسلطنة على المسلمين). فأتخذ الشعب هذه الفتوى شعارا لرفض الاحتلال والخضوع للمستعمرين، لذا وصفت بأنها الرصاصة الاولى التي أججت نار الثورة.
وطالب الحائري الشعب أن يطالب بحقوقه الشرعية كاملة في العيش بإرادة مستقلة حرة كريمة، وان لم يستجيبوا له، فجواز المطالبة وبالطرق المسلحة بحقوق العراقيين- وكان لهذه الفتوى اكبر الاثر في الاوساط الشعبية في نفوس القبائل خاصة. فاصبحت الجماهير مستعدة للثورة التحررية ضد الغزاة المستعمرين، وكانت تلك الفتاوى تحفـِّز الالتزام الوطني والنظام، وبث روح المحبة ورفض أي اخلال بالامن او التخالف والتشاجر فهذا يضر بالمقاصد، ويضيِّع الحقوق. فاوصت تلك الفتاوى بالمحافظة على جميع الملل والنحل والبلاد والمحافظة على القانون والاعراض والاموال. وارسل الحائري وغيره من العلماء وقادة الثورة رسائل الى سفير الولايات المتحدة الامريكية ردا على اعلان الرئيس الامريكي (ولسن) لقانون الانتداب، وكتب العلماء رسائل الى (ولسن) نفسه. ومن ثم الاتصال بأمراء العرب، وكثرت الخطب حتى أصبح الصحنان المباركان في كربلاء منبرا يحث على التحرير، ومن ثم رفع اول علم عربي عراقي على سارية الصحن المبارك.
(بشراك يا كربلا قومي أنظري العلما على ربوعك خفاقا ومبتسما)
كنت أظن ان المحاورة انتهت، واردت ان أقرأ سورة الفاتحة واذهب، واذا به يقول: ولا تنسى ان كربلاء وقفت موقفا مشرفا اثناء ثورة مايس 1941م ورأى علماؤها في هذه الثورة امتدادا لثورة العشرين. وقد جعل السيد عبد الحسين الطبطبائي الدفاع عن البلاد والمحافظة على استقلالها من اهم الواجبات، لان العراق هو قاعدة الدين وعاصمة العرب والمسلمين، وكان علماء كربلاء يخاطبون الشعب العراقي، مثيرين فيه روحا جهادية رافضة للوجود الاجنبي منطلقة الى الاستقلال والحرية.
|